مؤلف هذا الكتاب شخصية شهيرة، هو الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي، وقد عرف عنه صدق الكلمة، وصراحته في أقواله، وجرأته في عرض قناعاته، وعدم التلون، كما يتلون بعض السياسيين من الإسلاميين وغيرهم، وأنه لديه وعي إسلامي جيد، وإنصاف في كثير من أقواله. والكتاب يناقش قضايا كثيرة مهمة وشائكة، متعلقة بفلسفة الإسلام السياسية، وبمفهوم الحداثة والديمقراطية والعلمانية، والمجتمع المدني، ودور المنشآت الأهلية، ومسألة الحريات العامة، والعدل والمساواة والتعايش، والتعدد الحضاري، وغير ذلك.
غير أن المؤلف قد وقع في أخطاء منهجية عديدة، وفي هذا العرض والنقد إشارة إلى أهمها بإيجاز: والكتاب من منشورات دار المجتهد للنشر والتوزيع- تونس، الطبعة الأولى، سنة الطبع 2011م، عدد الصفحات 159. اشتمل الكتاب على عشر مقاربات.تحدث فيها ن الحريات العامة في الإسلام، وتناول المفهوم الفلسفي للحرية، مشيراً إلى عقم البحث الفلسفي الغربي، ومتحدثاً عن الحرية ما بين الليبرالية والماركسية، والحرية في القانون الطبيعي والرأسمالية الحديثة، وعن الديمقراطية عند القرضاوي وعبدالسلام ياسين، وموضحاً أن الحرية أمانة ومجاهدة، كما بين الحريات في التصور الإسلامي، فعرض لحرية المعتقد، والحريات السياسية، والحريات الاجتماعية، وحريات غير المسلم في الدولة الإسلامية- على حسب تصوره. وتكلم عن حقوق الإنسان في الإسلام، مبينا أصالة حقوق الإنسان في الإسلام، مع مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وبين مثيلاتها في الإعلانات الحديثة، فتحدث عن حق الحرية، وعن الحقوق الاجتماعية، مثل: حق العمل للقادرين والضمان لغيرهم، وحق الرعاية الصحية، والحق في بناء الأسرة، والحق في التربية، والحقوق السياسية، ومدى تحقق انطباق هذه الحقوق في تاريخ المسلمين منذ البعثة النبوية وإلى يوم الناس هذا. وعرض لأسس المجتمع الأهلي في الإسلام، وتكلم فيها المؤلف عن علاقة الدين بالسياسة منذ عهد الخلافة الراشدة، وعن تحول الحكم الإسلامي إلى ملك عضوض، وعن مرحلة غلبة السياسة على الدين في التاريخ الإسلامي، ممثلاً بإجهاز الغرب على السلطة العثمانية، ومعاهدة لوزان التي فرضت على تركيا التخلي عن الشريعة، كما تحدث عن تاريخ علاقة الدولة بالجماعة عند اليونان. وتحدث كذلك عن المجتمع الإسلامي المدني، موضحاً عقيدة الاستخلاف التي تحض على المساواة -من وجهة نظره- وأن السلطة في الإسلام نائبة عن الجماعة، موظفة عندها، وأن الدولة أداة من أدوات الجماعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومؤكداً على دور الوقف في سد ثغرة المجتمع الأهلي، وأشار إلى مرحلة تأميم الوقف وإلغاء الشريعة في الدولة العلمانية الحديثة، واقتران التغريب بالدكتاتورية، ثم تحدث عن نظرة السيد خاتمي للمجتمع الإسلامي المدني مثنياً عليها! وعلق على مفهوم المساواة بين الشريعة ومواثيق الأمم المتحدة، وأوضح فيها موقع المساواة في الإسلام، والمساواة في القرآن والسنة، وذكر رأي الإمام الطاهر ابن عاشور، ثم تكلم عن التدريب على المساواة، ومشيراً إلى استدراك على موضوع المساواة. وتناول فكرة المجتمع المدني بين الغرب والإسلام، وذكر مفهوم المجتمع المدني، متحدثاً عن توزيع السلطة بين الدولة والمجتمع، وعن فلسفة التربية المدنية في الغرب، وفكرة المجتمع المدني باعتبارها أداةً للحرب ضد الإسلاميين في العالم العربي، موضحاً أن الدولة الغربية صنيعة التنوير المتطرف، وأن الكنيسة الغربية هي أغنى مؤسسات المجتمع المدني، كما تحدث عن التقاء فكرة الديمقراطية مع فكرة الاختيار في الإسلام، وعن أهمية إنشاء مؤسسات خدماتية وتربوية مستقلة عن الدولة، وموضحاً أن السلطة الدينية في الإسلام مؤسسة على حرية الاجتهاد والتأسيس، وأن العقيدة الإسلامية ثورة ضد الظلم، كما تحدث عن زيف المجتمع المدني في أميركا والغرب عامةً.. وغير ذلك. وشرح فلسفة الإسلام السياسية، موضحاأن الإسلام نظام شامل للحياة، مستدلاً بنصوص القرآن والسنة، وإجماع الصحابة. وتحدث عن الاجتهاد إلى جانب الشورى وأنه عماد حركة المجتمع الإسلامي، وملقياً الضوء كذلك على تاريخ الحكم الإسلامي وتعرض المجتمع الإسلامي لهزات واحتياجات عبر تاريخه، وموقع المشروع الإسلامي الحديث من الديمقراطية والمجتمع المدني وسلطة الأمة. المقاربة السابعة: الثقافة والسلطة وحقوق الإنسان، تحدث فيها عن العلاقة بين الثقافة والسلطة وحقوق الإنسان، وعن المثقف المسلم والسلطة عبر التاريخ، موضحاً تصورات حقوق الإنسان في الإسلام، والعدل في المنظور الإسلامي كقيمة إنسانية مطلقة، كما نعى ما وصفه بتنازل العلماء عن دورهم بحجة اتقاء الفتنة نحو مصالحة تاريخية بين فئات المثقفين. وتساءل عن الحداثة ،وتحدث عن نموذجي التعامل مع الحركة الإسلامية عند الأنظمة، ممثلاً بنظام الأقلية الحاكمة في تونس المتسترة وراء الحداثة، وشعارات محاربة الأصولية، والديمقراطية، وحرية المرأة والمجتمع المدني. وتحدث كذلك عن الإسلام والديمقراطية، والإسلام والمجتمع المدني، والإسلام والمرأة، والإسلام والتعدد الديني والحضاري. وعرض سؤالا هاما هو : (شعب الدولة) أم (دولة الشعب)؟ قسم فيها الحكام صنفين في علاقتهم بالشعوب: الأول: صنف يحكم بالقهر والغلبة ويحول الشعب إلى (شعب الدولة). والثاني: صنف يحول الدولة إلى (دولة الشعب) وإلى حكم الشعب، أو حكم القانون، ثم وضح كيف السبيل إلى دولة الشعب. وختم هذه المقاربة بحديثه عن البعد عن الفوضوية. وذكر في الختام أن العلمانية جاءتنا على ظهر دبابة وبقيت تحت حمايتها، وتحت هذا العنوان الجذاب تحدث عن محاربة الإسلام والمسلمين تحت ستار محاربة الأصولية، وعن العلاقة بين الإسلام والغرب، مشيراً إلى أوهام الغرب الخبيثة في النظرة إلى الإسلام، وإلى وجود تيار منصف وعاقل داخل الغرب، ثم تحدث عن إشكالية المرجعية في الساحة الإسلامية، وأوضح أن الاضطهاد من التخلف الحضاري، وأن مراهنات الغرب على الحل الأمني خاسرة، ثم ختم بالحديث عن أن الأمة ما زالت تقاوم وستظل.
تقديم الكتاب مقتطف من مقال على صفحات صحيفة العرب القطرية الخميس، 10 أفريل2014