فإذا كان الفقه المألوف الذي يدرس في المساجد والكليات يمر بأسئلة صعبة، قل أن يتصدى لها إلا قلة من الرواد السابقين، ويشدهم الباقون إلى التاريخ أو الحرفية أو التخشب أو اللامبالاة، فيكون هناك عناء هائل رغم الحاجة، والواقع يؤكد، والضرورة ظاهرة، فما الحال في الفقه السياسي الذي تصبح معادلته أكثر تشابكاً وساحته أوسع، وحاجاته وضروراته ذات علل بعيدة لايمكن هضمها في فكر السطحية أو الحرفية أو العزلة.
التعميم والضبابية والعزلة والجمود عوامل كلها مفوضات لأي مشروع نهضة، والحديث عن التحديد القرني الذي يعطي المجتمعات فسح أمل رحبة، قد حار الناس في آليات حدوثه وإسقاطاته العملية بسبب مصادرته في الطريق.
في ضوء ماسبق يصبح كل جهد تنويري في ميدان فقه الأمة المعاصر، وخصوصاً السياسي منه، فرضاً شرعياً وضرورة حضارية، إذ لايمكن فصل واقع الأمة السلبي عن شبكات العنكبوت الفكري الذي قيدها وشل قدرة الحركة فيها خلال قرون انفرد فيها الاستبداديون بإدارة الأمة والهيمنة عليها، وأنتقلت فيها من حضيض إلى قعر لا نهاية له، كنتيجة طبيعية لعدم إدراكها العميق للمكانة الشرعية لمفاهيم أساسية في كل كيان متوازن، مثل مفاهيم الحرية والشورى والعدل.
في هذا الصدد ومن هذا المنظور جاء هذا الكتاب ليلقي الضوء على الفكر السياسي لأهم أعلام الاسلام المعاصر والحركة الاسلامية الشيخ القرضاوي .