العجمي الوريمي لـ”القدس العربي”: لا نسعى للعودة لحكم تونس.. واعتقال الغنوشي لا يعني نهاية “النهضة”
03:01:43 2024/01/30
تونس- “القدس العربي”: قال العجمي الوريمي، الأمين العام لحركة النهضة التونسية، إن الحركة تأثرت بشكل كبير باعتقال زعيمها راشد الغنوشي وأبرز قياداتها، ولكنها ما تزال تحتفظ بقاعدتها الشعبية، كما أكد أن همّ الحركة الآن هو ما سماه “عودة الديمقراطية” وليس عودتها هي لحكم البلاد.
تونس- “القدس العربي”: قال العجمي الوريمي، الأمين العام لحركة النهضة التونسية، إن الحركة تأثرت بشكل كبير باعتقال زعيمها راشد الغنوشي وأبرز قياداتها، ولكنها ما تزال تحتفظ بقاعدتها الشعبية، كما أكد أن همّ الحركة الآن هو ما سماه “عودة الديمقراطية” وليس عودتها هي لحكم البلاد.
وقال الوريمي، في حوار خاص مع “القدس العربي”، إن “الشأن النهضوي لا يهم النهضويين وحدهم، فكل ما يتعلق بمسار الحركة ومستقبلها ودورها يحظى باهتمام ومتابعة من الرأي العام في الداخل والخارج ويكون محل تعليقات وتحليلات من المتابعين والمختصين”.
همّ حركة النهضة الآن هو عودة الديمقراطية وليس عودتها هي لحكم البلاد
وأضاف: “لقد تراوحت التوقعات والتخمينات والقراءات حول مستقبل الإسلام السياسي وحول حركة النهضة التي باتت تنسب نفسها إلى الإسلام الديمقراطي، بين من يقول بنهاية هذه الحركات وتراجعها التاريخي، وبين من يرشحها لأدوار مستقبلية مع غيرها من الأحزاب ذات الحضور والوزن والتأثير”.
وأشار إلى أن “هناك دعوات للنهضويين ومنهم للقيام بمراجعات تطال الأسس الفكرية والخط السياسي والخيارات الكبرى وتشمل الاسم والواجهة والخطاب والمنهج”
النهضة تحتفظ بشعبيتها
واعتبر الوريمي أن النهضة “أُخرجت من الحكم ولم تعد تحتل قلب المشهد السياسي منذ انقلاب 25 جويلية/ تموز 2021 (في إشارة لتدابير الرئيس قيس سعيد) لكنها لم تخرج من التاريخ ولم تفقد مبرر وجودها وحظوظها الشعبية والجماهيرية”.
وأضاف: “في المؤتمر التاسع قطعت النهضة شوطا كبيرا باتجاه الشرعية القانونية. وقد انعقد المؤتمر في الداخل بعد عدد من المؤتمرات في الخارج، كما تم والحركة في بداية تجربتها في ممارسة السلطة، ولقد أمكنها أن تطوي صفحة السرية والراديكالية دون رجعة وطورت عرضها السياسي كحزب إصلاحي وسطي ومنفتح على المستقبل”.
وتابع بالقول: “أما المؤتمر العاشر فقد أرسى خيار التخصص، وهو ضرب من إخراج العمل الدعوي من الإطار الحزبي وحث من يتشبث به للنهوض به ضمن المجتمع المدني في إطار قانون الجمعيات، كنشاط لا علاقة له بالرهانات الحزبية والسياسية وكفعالية مجتمعية ذات بعد أخلاقي وتربوي هدفها تحصين المجتمع من الآفات ومن الاختراقات وتوثيق صلة المواطن التونسي بقيمه الحضارية والدينية، من أدناها وهو النظافة والحفاظ على البيئة إلى أعلاها وهو تفعيل قيمة التضامن ومكارم الأخلاق والتوكل في ذلك بأشكال التواصل غير العنيف”.
وأشار إلى أنه “تم بين المؤتمرين التاسع والعاشر طرح موضوع تغيير اسم الحركة، وكان هناك متحمسون لذلك لأن الاسم يلخص في رمزيته ودلالته شعار المرحلة”.
وأضاف: “تبين لنا عندما أثير موضوع تغيير الاسم في الآونة الأخيرة أن هناك معترضين كثر على ذلك، إذ رأوا فيه ضعفا وتلونا وانحناء للعاصفة ومحاولة لإرضاء السلطة والخصوم، وهذا خلاف الحقيقة والواقع لأن مقترح تغيير الاسم سبق وأن طرح في مناسبات سابقة ولاقى استحسانا، وأنا أتفهم دوافع القبول والرفض معا، لكن أؤكد أن الذي قاد تفكيرنا هو مصلحة الحركة وليس فيه تخلّ عن الثوابت أو المبادئ بقدر ما فيه إرادة للمضي إلى الأمام واستشراف آفاق جديدة.”
اعتقال الغنوشي لا يعني نهاية النهضة
وحول محاولة البعض ربط مصير حركة النهضة بزعيمها راشد الغنوشي، قال الوريمي: “التقيت بعد ثورة الربيع العربي ومنذ عشر سنوات في إحدى الندوات بالباحث أوليفييه روا، وهو أحد أبرز المختصين الغربيين في حركات الإسلام السياسي وصاحب أطروحة ونبوءة نهاية الإسلام السياسي، وقد طرحت عليه سؤالا حول سبب عودة الحركات الإسلامية لصدارة الأحداث بعد أن توقع نهايتها الحتمية فكانت إجابته أنها استفادت من أخطائها وصححتها”.
وأشار إلى أن “بعض الحركات والجماعات ترتبط بمؤسسها وتزول بغيابه عن الدنيا، ولا أظن حركة النهضة من ضمن هذه الحركات رغم تأثير زعيمها وتأثرها باعتقاله. كما تخفق بعض الحركات في تحصين نفسها من التشوهات التي يمكن أن يسببها القمع والتنكيل (وخاصة التعذيب) والملاحقة والحصار الأمني والاعتقالات والأحكام القاسية، فتتحول نحو ممارسة العنف أسلوبا في التعامل والتغيير وقد يصل الأمر إلى تحولها لأحزمة ناسفة ترد على العنف بالعنف وعلى الإقصاء بالنفي والتكفير”.
لكنه أكد أن “النهضة، رغم ما نالها وما مرت به من محن، نجحت في الاستجابة للتحديات بطرق إبداعية (فكريا وسياسيا وتنظيميا) ونأت بنفسها عن مربعات الصدام العنيف وممارسة الوصاية الفكرية والتكفير، ولأجل ذلك لم تجد صعوبة في التوافق مع القوى المدنية داخل المجلس التأسيسي، والتوصل جماعيا إلى دستور ضمن حرية الضمير والمعتقد ورسخ مبدأ الدولة المدنية لشعب مسلم يحترم تعاليم الإسلام ويحافظ عليها، كما ضمن الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان في خصوصها وشمولها”.
وأضاف “رغم أن حركة النهضة -وفي غياب عدد من قياداتها البارزين الذين يقبعون في سجون الانقلاب- تتعرض للتضييق على أنشطتها وغلق لمقراتها بما في ذلك مقرها المركزي، فإنها مستمرة في فرض وجودها العلني والقانوني وترفض التحول إلى حالة أمنية وترفض أن يفرض عليها العودة للسرية، وهي عازمة على مواصلة مسار التطبيع مع الدولة وإتمام الإصلاحات المستوجبة لتكون حزبا رياديا حاملا لمشروع تجديد فكري ونهوض مجتمعي وإصلاح سياسي واقتصادي”.
رغم أن حركة النهضة تتعرض للتضييق على أنشطتها وغلق لمقراتها، فإنها مستمرة في فرض وجودها العلني والقانوني وترفض التحول إلى حالة أمنية وترفض أن يفرض عليها العودة للسرية
النهضة لا تهادن السلطة
وحول إمكانية سعي حركة النهضة لتقديم “تنازلات” للسلطة كي لا تلجأ لحلها، قال الوريمي “النهضة ليست حركة مهادنة، ولا أتوقع أن المهادنة تمنع قدرا مقدورا ومصيرا محتوما. كما أنها لا تؤمن بالاستقطاب الحاد ولا تسعى إليه وترفض تقسيم التونسيين، وهي تعمل ضمن جبهة الخلاص الوطني بقيادة الأستاذ أحمد نجيب الشابي من أجل اختصار قوس الانقلاب وعودة الشرعية والديمقراطية”.
وأكد أن جبهة الخلاص “تقود شارعا ديمقراطيا يقاوم سياسات الانقلاب وإجراءاته التي عمقت أزمة البلاد الاقتصادية والمالية والاجتماعية وخلفت شعورا بالإحباط والخوف على المستقبل منه (إذ تراجع منسوب الثقة والأمل في التغيير والخروج من المأزق الشعبوي ودفع شبح البدائل الفاشية والفوضوية)”.
وأضاف “لا تسعى المعارضة إلى مهادنة السلطة ولكن البلاد في حاجة إلى هدنة تخصص لإطلاق حوار وطني يفضي إلى خارطة طريق للإنقاذ والإصلاح تتضمن فكرة قيام حكومة وطنية تقود البلاد إلى انتخابات عامة ديمقراطية ونزيهة وشفافة يقبل عليها التونسيون بثقة في إمكانية إقامة مؤسسات تمثيلية شرعية تعبر عن إرادة الأغلبية الساحقة وتعيد البلاد إلى الوضع الطبيعي”.
لا تسعى المعارضة إلى مهادنة السلطة ولكن البلاد في حاجة إلى هدنة تخصص لإطلاق حوار وطني يفضي إلى خارطة طريق للإنقاذ
مرشحون بلا مشاريع
وفي قراءته لنتائج الانتخابات المحلية الأخيرة، قال الوريمي “لقد عمدت السلطة إلى تغيير القانون الانتخابي ليصبح الاقتراع على الأفراد في دوائر صغرى، أملا منها في تعزيز الإقبال على صناديق الاقتراع وكسب شرعية من وراء المشاركة العالية لها وللمجالس المنتخبة التي تحولت إلى وظائف ولم تعد سلطات قائمة الذات، ولكن النتيجة كانت صادمة”.
وأضاف: “يعود تدني نسبة المشاركة إلى عدة عوامل منها أن الانتخابات في ظل الأزمة الخانقة لم تعد تمثل رهانا سياسيا وحياتيا بالنسبة للتونسيين لأن المترشحين لا يحملون أي مشروع أو حلول لمشاكل الناس ولن يكون لهم أي تأثير على القرار وعلى السياسات فالسلطة تجمعت بيد واحدة بعد إرساء حكم الفرد”.
وفسر “لا مبالاة التونسيين” بالانتخابات بأنها “تعبير عن موقف سياسي، في حد الأدنى عزوف واع وفي حده الأعلى مقاطعة نشيطة. وعندما يتكرر ذلك في ثلاث مناسبات -رغم إلحاح السلطة- يصبح العزوف والمقاطعة رسالة سياسية مؤداها أننا لم نعد نثق بانتخاباتكم ومرشحيكم ومجالسكم وأننا لا يمكن أن نكون شهود زور عليها”.
تباين بين أولويات النظام ومطالب التونسيين
وأضاف: “إن إحساس المواطنين بأن الانقلاب لم يحدث القطيعة مع الأزمة السابقة ولم يرتق بالأوضاع القائمة بل فاقم المعاناة ولم يبرهن على قدرة على إحداث تغيير طال انتظاره، خلّف لديهم قناعة بأن أولوية الحكم غير أولويتهم وأن مطالبهم ليست الأولى في اهتماماته، فهو مسكون بهاجس تغيير منظومة الحكم، وهم منشغلون بتغيير أوضاعهم، وهو تهمه الهندسة الدستورية، وهم يطلبون توفير الشغل والمواد الأساسية وخفض الأسعار وتحسين الخدمات وتوفير المرافق الحياتية من نقل وصحة وتعليم”.
وتابع بالقول “ما كان المواطن يعيبه على الحكومات السابقة وجده مضاعفا عند الرئيس قيس سعيد، مع تغيير الاتجاه من الديمقراطية إلى حكم الفرد. ومن الطبيعي والمنطقي أن لا يتزاحم على صناديق الاقتراع من طال وقوفهم في طوابير طويلة أمام المخابز للحصول على رغيف خبز أو كيس من الدقيق أو قطعوا مسافات بعيدة أملا في العثور على كيلو سكر أو علبة حليب أو قهوة”.
واعتبر أن السلطات التونسية “ساهمت – بتهميشها للأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والأطراف الوسيطة – في تصحير الحياة والسياسية وهجران الشباب للشأن العام في لا مبالاتهم بالانتخابات كحلقة من مسار بات لا يعنيهم ولا يستميل أحيانا إلا الانتهازيين والمنتفعين. ولا بد من إعادة الاهتمام بالشأن العام وإيجاد الحوافز لدى الشباب، عبر الانخراط في مسار سياسي وانتخابي وطني تعددي وتنافسي تتجدد به النخب والشرعيات وتنهي به السلطة الفراغ الذي أحدثته حول نفسها برفض الحوار والانفراد بالقرار”.
وحول رؤيته لمستقبل مسار الرئيس قيس سعيد، تساءل الوريمي: “هل كان الشعب التونسي يتوقع أن يتحول ما قيل لهم إنه تفعيل للفصل 80 من الدستور (أي دفع خطر داهم) إلى معاناة مستمرة ومأزق سياسي؟”.
السلطات التونسية ساهمت – بتهميشها للأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية والأطراف الوسيطة – في تصحير الحياة والسياسية وهجران الشباب للشأن العام بلا مبالاتهم بالانتخابات
منظومة الفرد الواحد
واعتبر أن المعارضة “لم تخطىء عندما اعتبرت ما وقع انقلابا على الشرعية وانحرافا بالسلطة وتعسفا في التأويل قاد إلى خرق الدستور الذي لم يكن يسمح في حالة الاستثناء بحل البرلمان وحجب الثقة عن الحكومة. وعوض تضامن السلطات وبقائها في حالة تأهب وانعقاد دائم لمجابهة المخاطر، اختصرها الرئيس قيس سعيد في شخصه وسلطاته وصلاحياته التي أصبحت مطلقة”.
وأضاف “لذلك لم تكن خطته التي انطلقت بالاستشارة الإلكترونية وتوجت بانتخاب برلمان صوري ومجالس محلية عاجزة -مرورا بصياغة دستور جديد والاستفتاء عليه- إلا تغييرا لمنظومة الحكم الديمقراطية بمنظومة حكم الفرد بعد إخراج الأطراف المنتخبة شرعيا من السلطة وتجميد السلطة الأصلية البرلمان قبل حله واعتماد تنظيم مؤقت والحكم بالمراسيم”.
واعتبر أن “انقلاب سعيد نجح من الناحية التقنية لأنه أطاح بكل البناء الدستوري والمؤسساتي المنبثق عن السلطة التأسيسية المعبرة عن الإرادة الحرة للشعب التونسي وأهداف ثورته المجيدة. ولكن من الناحية السياسية عاد بنا الانقلاب إلى الوراء، إلى نسخة جديدة من الاستبداد الذي ثار عليه شعبنا ونال بثورته شهادة إعجاب العالم والشعوب وحاز بها جائزة نوبل واستحق به مكانا بين الأمم التي تحكم نفسها بنفسها”.
وحول الانتخابات الرئاسية المقبلة، قال الوريمي “بعد أن وضع قيس سعيد أسس مشروعه للبناء القاعدي (الذي انطلق من الأعلى ولم ينطلق من الأسفل) أكد أنه لن يسلم السلطة لأطراف غير وطنية، وهو ما أثار التساؤلات حول إرادة دعوة الناخبين إلى انتخابات حرة وتعددية ونزيهة وشفافة ترعاها هيئة مستقلة ويضمن فيها حياد الإدارة وتكافؤ الفرص”.
انتخابات على المقاس
واعتبر الوريمي أن هناك لمحاولة لـ”تنظيم انتخابات على المقاس وهندسة المشهد السياسي والإعلامي بما يمكّن قيس سعيد من خلافة نفسه وضمان عهدة ثانية دون منافسة حقيقية ليس أمرا مستحيلا. لذلك دعت جبهة الخلاص الوطني إلى تنقية المناخات السياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتوضيح السلطة نواياها بالنسبة للاستحقاق الرئاسي، قبل أن تتخذ أي قرار بالمشاركة أو المقاطعة”.
وأشار إلى أن “هناك من يشكك في تنظيم انتخابات رئاسية هذه السنة، ولكني أرجح انعقادها في موعدها بعد التغلب على الصعوبات الموضوعية، وخاصة تضارب المسار القضائي فيما يسمى بقضايا التآمر على أمن الدولة والزمن الانتخابي الذي بدأ يزحف ويضغط”.
على السلطات التونسية أن تغلق الملف القضائي بشجاعة، أي بالمبادرة إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين
وأكد أنه يتوجب على السلطات التونسية أن “تغلق الملف القضائي بشجاعة، أي بالمبادرة إلى الإفراج عن المعتقلين السياسيين، بعد أن تحول ملفهم إلى ملف إدانة لمن يشتبه في أنه يفتعل التهم للتخلص من خصوم الرئيس أو يلفق الملفات بطريقة باتت محل استهجان وسخرية وليس إدانة فقط”.
وأكد أن مؤسسات حركة النهضة “لم تشرع في مناقشة حيثيات الاستحقاق الرئاسي، فهي – حسب تقديري وفي انسجام مع خيارها السياسي منذ انقلاب 25 يوليو – لن تنافس على السلطة ولن تدفع بمرشح حزبي، حتى وإن كان ذلك من حقها”.
وأضاف “ويبقى هم النهضة الأول هو عودة الديمقراطية، وليس عودتها هي كحزب إلى الحكم، وهي تعتبر أن الخطر الذي ينبغي على القوى الديمقراطية والوطنية (من معارضة وموالاة) التعاون لتفاديه وتجنيب البلاد الوقوع فيه، هو البديل الفاشي والفوضوي، أي كل خيار يقسم التونسيين أو يقصي قسما منه”.