يعتقد رئيس حركة النهضة بأن حزبه في تونس قد تغلب على عقدة الخوف من الدولة بعد أن خاض تجربة الحكم، ولا يرى أن حكومة التكنوقراط قادرة على تسيير البلاد، يعتبرا أن ظاهرة الإرهاب ستطول مع المجتمع التونسي وينبغي التعامل معها بهدوء. في هذا الحوار تحدث أيضا راشد الغنوشي إلى “الرأي العام” عن الوضع في ليبيا الذي وصفه ب”الرمال المتحركة “، ويقول في خصوص مصر أن على تونس أن تتعامل مع الواقع الجديد
لماذا تحرص حركة النهضة على المشاركة في الانتخابات القادمة وتؤكد على أن هذه الانتخابات لابد أن تتم قبل نهاية السنة؟
نحن نعتقد أننا الحزب الأكبر على رأس الأحزاب السياسية الكبرى في تونس لذلك فمن الطبيعي أن تشارك حركة النهضة في الانتخابات، كجزء من العملية الديمقراطية ومن باب الواجب الوطني.
وإذا ما قاطعت الأحزاب وخاصة منها حركة النهضة الانتخابات فهذا يعني أن هنالك خلل في الديمقراطية، لأنه لا ديمقراطية دون أحزاب ولا أحزاب دون انتخابات.
وعلامة النجاح أن تجري الانتخابات في مواعيدها الدستورية قبل موفى عام 2014، وأن يعترف الجميع بنتائجها. ونحن نرى أنه من الممكن إجراء الانتخابات في مواعيدها حيث ما تزال تفصلنا عن انقضاء السنة 6 أشهر. وقد سبق لنا أن اخترنا بين الخيارات المطروحة إجراء الانتخابات بشكل يجمع بين الرئاسية والتشريعية لأن الجمع هو الأقرب للاندراج ضمن الدستور وتأمين دورتين أسهل من تأمين 3 دورات.
لكننا قبلنا بالفصل بقلب سليم والمهم أن تنطلق العملية لأننا تجاوزنا مطبات كثيرة كان الصراع فيها يمضي على حافة الهاوية.
هل أنتم حريصون على العودة إلى السلطة التنفيذية من جديد والتأسيس لأول حكومة تقدوها النهضة بعد استكمال المرحلة الانتقالية؟
إن تونس أحوج ما تكون إلى حكومة وحدة وطنية. وإذا نجحنا في الانتخابات وكانت لنا فرصة المشاركة فتجربتنا تجعلنا حريصين على أن نخوض حكما ائتلافيا واسعا.
فليس في نيتنا الاستحواذ على الرئاسات الثلاث. ونحن بحاجة إلى أن يكون الائتلاف الحاكم القادم أوسع من الترويكا الثلاثية التي كنا نقودها، وألا تستند قاعدة الحكم إلى 51% وإنما إلى 80 % كقاعدة أوسع وضمان من ضمانات الاستقرار والنجاح.
إن تجارب التحول الديمقراطي التي أطاحت بالدكتاتوريين كثيرة ولكن التي نجحت منها في إقامة الديمقراطيات هي أقل بكثير. ونحن نرى الربيع العربي كأنه غابة مكسرة وتبدو فيها تونس الشجرة الوحيدة القائمة. وبالتالي هي مسؤولية كبيرة لدى كل الديمقراطيين والفاعلين أن يحافظوا على هذه الشمعة هل لا تطفئها الرياح الهوجاء التي تعصف بالإقليم.
هل أن هنالك احتمال لأن تدافع النهضة على امكانية أن يستمر التكنوقراط إلى فترة أخرى إضافية حتى تتهيأ الاحزاب إلى السلطة ولا تعود إلى منطق المحاصصة؟
على الأحزاب أن تروض أنفسها على التعايش وعلى الحكم الائتلافي. فقدر الأحزاب أن تحكم وليس أن تتفرج على التكنوقراط. فالسياسيون هم الذين يحكمون والتكنوقراط ينفذون. ولئن سلمنا الحكم للكتنوقراط في فترة ما فذلك لأنه لم يكن من بديل عن ذلك سوى انهيار التجربة الديمقراطية في تونس بالجملة.
ولقد خرجنا من زمن طويل من حكم الفرد والرأي الواحد ونحتاج إلى تدريب أنفسنا على إدارة الاختلاف إدارة حضارية لا تلغي الخلاف ولا تسارع إلى العودة إلى الرأي الواحد والزمن الواحد والزعيم الأوحد.
والعلاج يجب أن يكون مزيدا من الديمقراطية والتعود على الممارسة وليس الهروب من الديمقراطية إلى التكنوقراط. .
هل تعتقد أنه في الحركة كثير من الأشخاص من يتمتعون بصفة رجالات الدولة؟
حركة النهضة لديها كفاءات متخرجة من جامعات محلية ودولية. وقد كانت تنقصهم الخبرة (السياسية) لكنه تكون ليدهم الآن رصيد من التجربة من خلال مشاركتهم في السلطة منذ أكثر من سنتين.
وستعاود الحركة ترشيح قيادات بارزة في الحكومتين الائتلافيتين إلى مناصب حكومية في حال فوزها في الانتخابات القادمة فأشخاص مثل حمادي الجبالي وعلي العريض آخرون ليسوا بمحجوبين عن هذه المناصب.
كما أنه من النتائج الإيجابية بالنسبة لمشاركة النهضة في الحكم أنها لم تعد خارج الدولة بل أصبحت تعرف الدولة من داخلها. فقد كان الإسلاميون منذ زمن طويل في صراع مع الدولة ولديهم موقفا سلبيا منها فهي اضطهدتهم ونبذتهم.
واليوم نرى أن إسلاميي تونس قد تغلبوا على العقدة النفسية، عقدة الصراع مع الدولة وأصبحوا جزء من الدولة. صحيح أننا الآن خارج السلطة التنفيذية، لكننا نتعامل مع الدولة بنفسية وروحانية وثقافة تختلف مما كنا عليه. فنحن داخلها في الحقيقة ومعنيون باسمرارها وسلامتها.
كأنكم تراهنون في جزء كبير من الإصلاح على جهاز الدولة، ألا تشعرون أن هذا ممكن أن يؤدي إلى أخطاء منهجية كبيرة بالنسبة لحركة إسلامية؟
نحن نعتقد أن مركز الاهتمام هو المجتمع وليس الدولة وخطابات الاسلام موجهة للمجتمع تقريبا وليس منها ما هو موجه للدولة. نحن نريد أن تتغير العلاقة بين الدولة والمجتمع.
فالمعنى الأساسي للثورة نقل مركز الاهتمام من الفرد الزعيم والحزب الواحد والدولة إلى المجتمع أي تفكيك بنية الاستبداد وتحويل الدولة إلى جهاز من أجهزة المجتمع، هذا الجهاز يفترض أن يكون خادما للمجتمع وليس متحكما فيه وعابثا بمصيره.
والدستور الذي كان لنا النصيب الأوفر في كتابته يجعل مركز الاهتمام هو المجتمع ولذلك لأول مرة يصبح الحديث دستورى عن حكم محلي وهو ما لا يوجد في الدساتير العربية. كما يؤكد الدستور على معنى أساسي في توزيع السلطات في المركز وعلى الجهات وإقرار مجالس رقابة مثل هيئات مراقبة دستورية القوانين وحقوق الانسان والحوكمة والإعلام.
وعملية الانتقال وتحويل الدستور إلى ثقافة يحتاجان في تقديرنا إلى وقت طويل. كما أننا لا نريد أن يعود مجددا الرصيد التاريخي الكبير للاستبداد. فلو أن حزبا واحدا أخذ البلاد ولو بالديمقراطية لا ضمان في أن يعيد تشكيل جهاز الدولة بلون واحد وبثقافة واحدة.
نحن في حرب مفتوحة يطلق عليها اسم الحرب على الإرهاب الذي تقوده السلفية الجهادية هل تعتقدون أن تجربتكم السابقة خطأ؟
لا لم تكن خطأ فظاهرة العنف لم تتجلى في سنتي 2011 و2012 مثلما تجلت في عامي 2013 و2014 .وقد كان عمل هذه الجماعات أقرب إلى الظاهرة الفكرية والاجتماعية المتمثلة في تقديم مساعدات و دروس (دينية).
فالمشروع السياسي العنيف لم يظهر في البداية حيث كانوا يعتمون عليه أحيانا ويقولون أن تونس أرض دعوة.
وما حصل في سنتي 2011 و2012 لم تكن سوى عمليات معزولة لم تكن تمثل الظاهرة ولم يقع تبنيها، لكن الأمر تغيرمنذ اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي واًصبحنا أمام مشروع آخر هو مشروع القاعدة.
حصلت ظواهر مماثلة في بلدان أخرى ألم تكونوا تتوقعون وأنتم تتابعون الظاهرة منذ نشأتها أن هناك ملامح لأن تنحدر الأوضاع إلى العنف والإرهاب؟
إن ما حصل بتونس قبل عام 2013 هو بمثابة السوابق المعزولة، كما سبق وأكدت، مثل حادثتي جزيرة جربة ومنطقة سليمان. فظاهرة الإرهاب في تونس لم يكن لها تاريخ أو على الأقل في زمن عملنا في الساحة لم يكونوا هؤلاء موجودين في فترة ال80 وال70.
وبالتالي لم نتعايش مع هذه الظاهرة فهي جديدة بالنسبة لنا في تونس.
كانت هناك أيضا تجارب في السنوات الأخيرة قبل الثورة في موريتانيا وليبيا الجزائر والمغرب وقد شجعنا الحوارات معهم (المتشددين) وخاصة بين الشيخ علي الصلابي في ليبيا والسلفيين ما حقق توبة 100 شخص أو أكثر.
وتونس ليس لديها رصيد كبير من العنف. فهؤلاء شباب كان الظن أنه يمكن أن يقع تبصيرهم عبر الحوار لأن فهمم للإسلام خاطئ، لكن تبين أنهم ليسوا معزولين عن أمثلاهم وهم جزء من شبكة عالمية (للإرهاب).
وعلى كل حال ينبغي ألا نتحدث بالتعميم فهناك أكثر من حزب سلفي والحوارات التي جرت لم تكن دون محصول. هناك أحزاب سلفية الآن تنكر العنف وتشتغل في إطار القانون ونحن نريد للجميع أن يندرجوا في إطار القانون.
هل يمكن انجاح تجربة حوار معهم (الإرهابيين) وفتح باب العفو؟
ينبغي ألا يكون الحوار مرحلة مع أي طرف ينبغي أن يكون مسارا. فنحن الأحزاب كمجتمع مدني ليس لنا من أداة سوى الحوار والدولة لها أجهزتها القضائية والأمنية
أنا أقول وللأسف أني نصحت بعض مسؤولي الدولة أن يستفيدوا من تجارب أخرى مثل التجربة في موريتانيا حيث قاد بعض المشائخ حوارا مع سلفيين وأنقذوا المئات منهم. لكن نحن مازلنا في الصدمة الأولى مع هذه الظاهرة ولم نصل بعد إلى التعامل الهادئ كمرحلة ثانية وإن هذه الظاهرة ستطول معنا وينبغي أن نتعامل معها بهدوء.
كما ينبغي أن يظل باب العفو مفتوحا أمام كل من تاب ومن صمم على الشر فسيبقى في السجن.
في الملف الليبي، هل فشلتم في الدعوة إلى الحوار في ليبيا؟
نحن إلى الآن لم ننجح أجرينا اتصالات كثيرة. وما قمنا به حتى الآن اتصالات فيها نوع من التحسس حتى نستبين الساحة لأن الساحة في ليبيا رمال متحركة ومتنوعة جدا. نحن نسعى إلى أن نستبين مع من سنتعامل سيما وأن هناك تطور شديد في الأيام الأخيرة.
فهناك تطور نوعي بعدما أقدم عليه الجنرال خليفة حفتر. ويخشى أن تكون هذه الظاهرة ليست حدثا معزولا وإنما مشروع لتغيير المشهد السياسي العام في ليبيا تحت شعار مقاومة الإرهاب وهو شعار صحيح. فيخشى أن يكون ما يحصل جزء من مشروع تغيير المشهد في اتجاه مشهد سياسي آخر
أيهما أخطر ما يطرحه الجنرال حفتر أو ما يمكن أن يصنعه أنصار الشريعة في ليبيا؟
نحن ضد أنصار الشريعة هذا عمل إرهابي وجزء من القاعدة وينبغي تخليص ليبيا منه لأنه يمثل خطرا عليها وعلى جيرانها. ومن سيقوم بهذا العمل ينبغي أن تكون الشرعية القائمة حتى لا يأتي صوت آخر ليملأه برفع الشعار الصحيح وهو تخليص ليبيا من الإرهاب.
ولذلك طالما حثثت أصدقاءنا على أن يكون لهم صوت أعلى مما هو عليه في مقاومة الإرهاب ، وألا يتركوا أي شك في أن الاسلام ضد هذه الظاهرة وأنها خطر على الإسلام قبل أن تكون خطرا على أي ايدولوجيا أخرى.
وقد سمعت أن زعماء العدل والبناء اتخذوا مواقف صريحة ومواقف عالية وواضحة من أنهم يقاومون الارهاب ولا يقبلون بالإرهاب في ليبيا ومنهم الشيخ الصلابي وهذا خطاب صحيح ولازم.
هل انفراط الوضع في ليبيا سيؤثر بشكل مباشر على تونس؟
ليبيا أكثر بلد متداخل في علاقاته اجتماعيا واقتصاديا وسكانيا مع تونس لكن رغم ذلك لا أرى أن وضع تونس مرتبط بوضع ليبيا ليس ذلك حتمي. فمنذ 50 سنة كان وضع ليبيا مختلف عن وضع تونس باستمرار وظلت ليبيا ليبيا وتونس تونس بنظامين مختلفين.
ونحن نخشى على ليبيا أكثر ما نخشى على تونس لأن تونس تبقى تجربتها هشة ونظامها هش لكن مجتمعها قوي ومتماسك. في حين أن المجتمع اليبي ليس متماسك والثورة أطاحت بالدولة ولم تطح بالنظام فقط بينما نحن الثورة أطاحت بنظام ولم تطح بالدولة فالدولة قائمة.
دخلت مصر في طريق مختلف هل تعتقد أن الإخوان يتحملون جزء هاما من المسؤولية في ما وصلت إليه مصر؟
أعتقد أن مسؤولية ما حصل في مصر يتحملها الجميع. فهناك فشل للنخبة المصرية في إدارة اختلافاتها بشقيها بينما هناك نجاح للنخبة التونسية في إدارة اختلافاتها بعيدا عن العنف. والنخبة المصرية فشلت في إدارة اختلافاتها بالوسائل المعتادة في زمن الديمقراطية.
وقد كنت على اتصال ليس كثيف مع الإخوان في فترة الأزمة لأنني كنت منشغلا في تلك الفترة بالأزمة في تونس. وقد ذهبت في أول شهر جوان من عام 2013 لحضور مؤتمر قومي عربي في مصر وكان لي لقاء مع طرفي المعارضة والإخوان ونقلت مطالب المعارضة للإخوان قبل شهر من الانقلاب العسكري ولم تجد المطالب آذنا صاغية ولم يكن في تقديري تصور واضح لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع آنذاك.
لكن وصل الإخوان إلى السلطة وبالتأكيد قاموا بأخطاء ككل حاكم وهم في موقع المظلوم الذي يستحق من الديمقراطيين الدفاع عنهم سيما وأنهم نجحوا في تجنب استخدام العنف. فهناك اليوم واقع جديد فرض نفسه بوسائل مختلفة وينبغي البحث عن سبل الإصلاح والوفاق والحوار للمحافظة على البلد من أن ينهار.
أنتم الآن كحركة كيف تتعاملون مع هذا الواقع الذي فرض نفسه وأنتج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟
هذا واقع والسياسة تتعامل مع الواقع. تونس تستطيع أن تقوم بدور إصلاحي ومساع حميدة في مصر للتقريب بين الأطراف.
حتى الآن الأمر لا يزال مبكرا والمبادرة عند القادة الجدد لمصر كيف سيتصرفون إن كان بسياسية العصا الغليظة وتنفيذ حكم الاعدام وفي ذلك إشارة خطيرة أم أنهم سيوجهون رسالة مفادها أنهم لكل المصريين وليسوا لجزء من المصريين أي من انتخبهم فقط.
هل يمكن للتجربة التونسية أن تحمي نفسها وتصمد؟
تبين أن الديمقراطية ممكنة للعرب وليس العرب استثناء ولا في جيناتهم تماهي مع الحزب الواحد أو الديكاتورية والإعلام الخشبي. و أنا على يقين أن شعلة الثورة في تونس نقلت تونس والعالم العربي إلى عصر جديد.
فالثورة التونسية ألحقت العرب بالعصر والربيع العربي لم يفشل إطلاقا فقد أسقط أصنام الحزب الواحد والزعيم الواحد والمجتمع المدني الذي يدور في فلك السلطة والإعلام المحتكر والخشبي.
وقد تذوق العرب لذة الحرية بعد أن التحقوا بالعصر ومن الصعب الإقناع بأن الإسلام يحرم الانتخابات والديمقراطية. بقي متى يأخذ العرب مكانهم في البناء الجديد فتلك مسألة وقت
أجرى الأستاذ راشد الغنوشي حوارا مع موقع عربي 21 وفي مايلي أبرز ماجاء فيه ...
قراءة المزيد...
قراءة المزيد