قال رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي إن رئيس الحكومة الجديد الحبيب الصيد طلب من حزبه خلال مشاورات مع قياداته حول تشكيلة الحكومة القادمة، أن يقدم له في وقت قريب تصورات حول أولويات الحكومة وهيكلتها. وأضاف الغنوشي في حوار للجزيرة نت أن حزبه لم يحدد بعد الحقائب التي يرغب في توليها بالحكومة الجديدة، لكنه كشف أنه طلب من رئيس الحكومة تحييد وزارات السيادة لضمان استقلالية الدولة عن التجاذبات الحزبية. وفيما يلي نص الحوار:
في البداية، نود أن نتعرف على موقفكم من الاعتداء الأخير الذي وقع في باريس، كيف تصفون ذلك؟
- هو اعتداء إرهابي على أقدس حريات الإنسان وهي حرية الاعتقاد وحرية التعبير، وهو يوجه رسالة إلى المجتمعات وبصفة خاصة إلى المجتمع الفرنسي حتى يتوحد في مواجهة الإرهاب.
هل تعتقد أن هذا الاعتداء يحمل في طياته تداعيات خطيرة على الجالية المسلمة، وخاصة الجالية التونسية في فرنسا؟
- قد تستفيد الأطراف المتشددة من التطرف في الجهة المقابلة، فالأطراف العنصرية المعادية للمهاجرين يمكن أن توظف هذا العمل الإرهابي لتحقيق أهدافها.
يمثل الملف الأمني هاجسا كبيرا لدى التونسيين نظرا لتكرر الاعتداءات ضد الجيش والأمن وتفجر الوضع الأمني في ليبيا. ما المقاربة التي تعتبرونها الأصلح لأمن البلاد وعدم المس بحقوق الإنسان؟
- الجريمة الإرهابية تتهدد كل التونسيين، ولذلك ينبغي أن يقف التونسيون صفا واحدا لمواجهة هذا الخطر. المهددون اليوم من الإرهاب ليسوا الأمنيين فقط، ولكن عامة المواطنين يواجهون هذا الخطر، وقد فقدنا سياسيين كبارا بسبب الإرهاب، وهناك آخرون موضوعون على قوائم الاستهداف، لذلك فالجميع مهدد، لكننا مقتنعون بأن مخططات الإرهاب ستفشل لأن المجتمع التونسي موحد ضد الإرهاب.
ما الأوليات التي تعتبرونها عاجلة وعلى الحكومة أن تضعها في صدارة اهتماماتها؟
- هناك قضيتان كبيرتان تفضي إحداهما إلى الأخرى وهما الأمن والتنمية. نحن نلاحظ أن المناطق التي يتفشى فها الإرهاب هي المناطق الفقيرة، وبالتالي فمن شروط القضاء على الإرهاب القضاء على التهميش وتوفير الشغل وتحقيق ظروف العيش الكريم.
في أحد تصريحاتكم قلتم إن الشعب غادر مواقع الثورة وإنه يسعى لتحقيق الاستقرار والعيش الكريم. هل بهذا التصريح تريدون القول إنكم مع فتح باب المصالحة وطي صفحة الماضي؟
- هذا هو الذي حصل يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول 2013 عندما وقعنا على خارطة الطريق التي أفضت إلى خروج حركة النهضة من الحكومة مقابل استكمال المسار الديمقراطي الذي أعطى لتونس دستورا توافقيا وانتخابات نزيهة وأفضى بنا إلى ما يسمى الاستثناء التونسي.
هذا الانتقال كان انتقالا من مرحلة الصراع والمغالبة بين النظام القديم والجديد إلى مرحلة التوافق. نحن رأينا ماذا أنتجت سياسة المغالبة والإقصاء والاجتثاث ضد النظام القديم في بلدان المنطقة، سواء في ليبيا أو العراق أو عدد من البلدان الأخرى. في تونس كان هناك قانون مطروح على المجلس التأسيسي (البرلمان) وهو قانون العزل السياسي، وكان سيغرق البلاد كذلك في حالة انقسام، لكننا رفضنا التوقيع على هذا القانون حفاظا على وحدة البلاد والتوافق.
"نحن مع المصالحة وضد العقوبات الجماعية، نحن مع تفعيل العدالة الانتقالية التي تقود إلى المصالحة وجبر الأضرار وإعادة الاعتبار للضحايا، كل ذلك دون انتقام"
ملف المصالحة
إذن أنتم مع التعجيل بمسار المصالحة؟
- نعم نحن مع المصالحة وضد العقوبات الجماعية، نحن مع تفعيل العدالة الانتقالية التي تقود إلى المصالحة وجبر الأضرار وإعادة الاعتبار للضحايا، كل ذلك دون انتقام.
كيف ستتعاملون مع ملف العدالة الانتقالية إذا اعترضت هيئة الحقيقة والكرامة المشرفة على هذا الملف عراقيل من قبل الحكومة القادمة؟
- نحن نقف إلى جانب هيئة العدالة الانتقالية ونرفض التدخل في شأنها، وهذه الهيئة منتخبة من المجلس التأسيسي ومدعومة شعبيا، ونرى أن تيسير عملها ضروري لمداواة جراحات الناس من انتهاكات الماضي، شرط أن تتداوى جراحاتهم بطريقة عادلة بعيدا عن منطق الانتقام.
ما تقييمكم لنتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة؟ وما سبب تراجعكم إلى المركز الثاني؟
- الانتخابات التي جرت مقبولة وتوافرت فيها الشروط الضرورية. بطبيعة الحال هي ليست انتخابات مثالية، ولكنها انتخابات جرت تحت إشراف مؤسسة منتخبة وهي الهيئة المستقلة للانتخابات، وتحت رقابة دولية ومحلية، وبالتالي نحن قبلنا بنتائجها وهنأنا الفائز، واعتبرنا أنفسنا أيضا فائزين لأن تونس فازت بتنظيم هذه الانتخابات.
وعلى كل حال نحن نتبوأ موقعا بارزا في المشهد السياسي لأن نظامنا إلى حد كبير نظام برلماني، ونحن نمتلك فيه المركز الثاني وبنسبة مهمة، وأنتم ترون الآن أن حركة النهضة في قلب المشاورات حول تشكيل الحكومة، ولذلك نحن في الحكم أي في البرلمان ومتجهون للتشاور حول تشكيل الحكومة وبرنامجها وربما المشاركة فيها.
ألا تعتقد أنه بفوز حركة نداء تونس بالانتخابات قد عاد النظام القديم بثوب جديد؟
- لا يعني ذلك عودة النظام القديم لأن جزءا منه دخل في النظام الجديد. النظام القديم هو نظام الحزب الواحد ونظام الإعلام الخشبي ونظام الانتخابات المزورة والمال المحتكر عند العائلة والمجتمع المدني الذي يدور في فلك السلطة، هل بقي شيء من هذا النظام؟
اليوم نحن نتحدث عن أناس كانوا في النظام القديم ثم انتقلوا إلى النظام الجديد، وليس المطلوب منا أن نقصيهم طالما تبنوا قيم الثورة. فإذا أخذنا ما حصل في صدر الإسلام -وهنا لا نتحدث عن كفر وإيمان- بعد فتح مكة لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بإزالة كل من شارك في النظام القديم، لأن كلَّ من قبِل الدخول في النظام الجديد أصبح جزءا منه.
هل تجربة الحكم في الترويكا وراء تراجع حركة النهضة إلى المركز الثاني؟
- الحكم بعد ثورة أمر صعب ويعرّض أصحابه للتهرئة لأن تطلعات الناس تكون عالية، وعادة ما يكون هناك انفلات ولا يكون هناك انضباط في العمل. ولكن كي تدرك أن خسارة النهضة كانت محدودة، انظر إلى خسارة شركائها مثل حزب المؤتمر الذي دخل المجلس التأسيسي بـ29 مقعدا وبقيت له أربعة مقاعد، وحزب التكتل الذي دخل بـ18مقعدا ولم يحتفظ بموقع واحد.
هل فشلت تجربة الإسلام السياسي في البلاد؟ ولماذا تحوّل الرأي العام التونسي عن دعمكم؟
- السؤال الصحيح هو: كيف حافظنا كحزب إسلامي معتدل على وجودنا في البلاد في زمن انهيار الربيع العربي وليس العكس.. الإسلاميون التونسيون حافظوا على موقعهم لأننا توخينا سياسة التوافق.
الغنوشي: نحن مع التوافق ولا نريد أن نفرض شيئا على رئيس الحكومة (الجزيرة نت)
حكومة الصيد
لماذا رحبتم بتعيين الحبيب الصيد رئيسا للوزراء رغم أنه لعب أدوارا في النظام السابق؟
- ليس مطلوبا أن نقصي كل من اشتغل بالنظام القديم الذي كان فيه قرابة مليوني تونسي. رئيس الحكومة الجديد رجل معروف بكفاءته ونزاهته وليس عليه أي حكم، وقد كان كذلك جزءا من حكومة الترويكا، وجزءٌ من رفض الجبهة الشعبية له أنه انتمى إلى الترويكا، لكننا نرفض هذه التصنيفات، وكل ما يهمنا أنه رجل نزيه وكفء ويتوفر فيه شرطان نحتاجهما اليوم في رئيس الحكومة لمجابهة خطر الإرهاب والتنمية، وهذا الرجل له تاريخ في هذين الأمرين لأنه مختص في التنمية الزراعية والاقتصاد، وهو أيضا له خبرة في المجال الأمني.
كان لكم لقاء مع رئيس الحكومة، هل هناك جديد في تشكيل الحكومة؟ وهل اقترح عليكم الانضمام إليها؟ وهل هناك حقائب وزارية عرضها عليكم؟
- لقد تشاورنا في هذا النطاق مع رئيس الحكومة حول أولويات عمل الحكومة وتصورنا لهندستها، وقد طلب منا أن نقدم له مقترحات حول هذه المواضيع ووعدناه خلال وقت قريب بأن نجيبه عن هذه الأسئلة.
ما الحقائب الوزارية التي ترغبون فيها؟
- لم نحدد ذلك بعد، وعلى كل حال فقد اقترحنا على رئيس الحكومة تحييد وزارات السيادة، وهو متجه إلى هذا، وهذا يضمن استقلالية الدولة عن التجاذبات السياسية.
هل هذه شروط تضعونها لقبول الانضمام إلى الحكومة القادمة؟
- لا ليست شروطا وإنما مجرد طلبات. نحن مع التوافق ولا نريد أن نفرض شيئا على رئيس الحكومة، ولا نريد أن ندخل بشروط مسبقة لإقصاء غيرنا. نحن نرى أن من مصلحة البلاد أن يشترك أوسع طيف سياسي في الحكم.
هل هناك مشاورات بينكم وبين حركة نداء تونس حول تشكيلة الحكومة؟
- بدأنا المشاورات مع رئيس الحكومة وفي البرلمان.
هل تعتقدون أن تأسيس الرئيس السابق المنصف المرزوقي لحراك شعب المواطنين قادر على أن يأخذ حيزا من قواعد وشعبية حركة النهضة؟
- سابق لأوانه أن نحدد موقفا من شيء لم يتحدد بعد، فالدكتور المنصف المرزوقي تحدث مرة عن حراك شعب المواطنين ومرة أخرى عن حركة شعب المواطنين، وبالتالي نرى أن هذه الفكرة لم تتبلور بعد حتى نحدد منها موقفا واضحا. ولكن على أية حال، المرزوقي له الحق كمواطن تونسي أن يؤسس أي حزب. أما بخصوص قواعدنا فهي ليست في سجن حتى يفتح المرزوقي أبواب هذا السجن، حركتنا حركة مفتوحة وقد يدخل إليها البعض وقد يخرج منها آخرون.
"ما حصل في مصر زلزال كبير هزّ المنطقة كلها وأثر في محيطها بلا شك. نحن ندعو الجميع في مصر إلى انتهاج منهج الحوار والمصالحة الوطنية، لأن نهج الإقصاء لا يقود إلا إلى الخراب"
تجربة مصر
هل خوفكم من مصير الإخوان المسلمين في مصر منعكم من ترشيح أحد للرئاسة أو حتى دعم المرزوقي بشكل واضح؟
- هذه قراءتنا نحن، وفي الواقع هي قراءة قديمة في مسيرة الإسلام السياسي بأن يحسن تقدير موازين القوى، فلا يتقدم إلا بقدر ما تسمح به موازين القوى. موازين القوى لم تكن تسمح للإسلاميين في الجزائر في التسعينيات بأن يأخذوا السلطة، كما أن موازين القوى لم تسمح لإخوان مصر أن يستمروا في السلطة.
ونحن في عام 1989 تقدمنا للانتخابات التشريعية وأخذنا أغلبية، لكن موازين القوى لم تسمح آنذاك بأن نحكم وعوقبنا، وفي انتخابات المجلس التأسيسي عام 2011 أخذنا من السلطة أكثر مما تسمح به موازين القوى، ولذلك لم تهدأ الأوضاع إلا بعدما تخلينا عن وزارات السيادة، ثم تخلينا عن الحكومة جملة واحدة واستبقينا على وجودنا في البرلمان لنحافظ على المسار الانتقالي الديمقراطي الذي أفضى في الأخير إلى دستور وهيئة انتخابية وعدالة انتقالية وانتخابات تشريعية ورئاسية ثبتت آلية الديمقراطية في البلاد.
لو كان السيناريو مختلفا في مصر وما زال الإخوان يحكمون، هل كنتم رشحتم رئيسا وسعيتم لحكم البلاد؟
- بقطع النظر عن ذلك، نحن تخلينا عن وزارات السيادة قبل حصول ما حصل في مصر، وأدركنا بداية عام 2013 أن موازين القوى قد تغيرت. ما حصل في مصر زلزال كبير هزّ المنطقة كلها وأثر في محيطها بلا شك. نحن ندعو الجميع في مصر إلى انتهاج منهج الحوار والمصالحة الوطنية لأن نهج الإقصاء لا يقود إلا إلى الخراب، ونحن نأمل أن يسود مصر الحوار بعيدا عن كل منزع إقصائي.
هل يمكن القول إن تونس تجاوزت منطقة الخطر وأصبحت تسير على طريق الديمقراطية مع رئيس محسوب على النظام القديم؟
- من أسس معاني الثورة أن السلطة انتقلت إلى الشعب وأنها أصبحت موزعة ولم تبق متركزة في قصر قرطاج الرئاسي الذي لم يعد له من السلطة إلا القليل بما لا يزيد عن 20% وسلطة موجودة في قصر الحكومة بالقصبة وفي البرلمان.
والدستور سيوزع جزءا كبيرا من السلطة ويذهب به إلى المناطق في إطار السلطة المحلية، بحيث إذا استكملنا هذه السنة الانتخابات الأخيرة وهي الانتخابات البلدية ستكون السلطة قد وزعت على أوسع نطاق، بما يجعل الاستبداد والتحكم فيها من طرف حزب أو مجموعة ليس أمرا متاحا.
كيف تقدرون حظوظكم في الانتخابات البلدية القادمة؟
- ستكون حظوظا جيدة إن شاء الله.
أجرى الأستاذ راشد الغنوشي حوارا مع موقع عربي 21 وفي مايلي أبرز ماجاء فيه ...
قراءة المزيد...
قراءة المزيد