كلمة الأستاذ راشد الغنوشي خلال ندوة تقديم برنامج النهضة للانتخابات التشريعية والرئاسية 2019
10:08:28 2019/08/30
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على نبيّه الكريم المبعوث رحمة للعالمين
السيدات والسادة الضيوف والحضور الكرام والاعلاميين
مرحبا بكم جميعا بيننا في هذه الندوة الهامة التي سنعرض فيها الخطوط العامة لبرنامجنا الانتخابي الرئاسي والتشريعي. ويطيب لي أولا أن أرحّب ترحيبا خاصا بمرشّح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية الاستاذ عبد الفتاح مورو وبرؤساء وأعضاء قائمات حركة النهضة للانتخابات التشريعية. تحية لم جميعا.
نقف اليوم جميعا على أبواب انتخابات رئاسية وتشريعية تكتسي أهمية بالغة وطنيا وحزبيا سيكون نجاحها شهادة ميلاد لأول ديمقراطية عربية بعلامة تونسية وهذا بذاته منجز تاريخي هام يُحسَبُ شرف المساهمة في تحقيقه الى كل المناضلات والمناضلين من كل العائلات الفكرية والسياسية التونسية من التحرير الى الثورة. رحم الله على كل شهداء الوطن.
لقد تهيأت والحمد لله بلادنا تونس لخوض هذه الانتخابات العامة الخامسة واستعدت لذلك أحسن استعداد، ونحيي بهذه المناسبة جهود الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكل الاطراف ذات الصلة بتنظيم هذه الانتخابات، كما نحيي جهود مكتب الانتخابات المركزي لحركة النهضة بكل لجانه وهياكله المركزية والجهوية والمحلية على ما بذلوه من جهود مقدّرة في إعداد القائمات والمضامين.
السيدات والسادة
تكتسي هذه الانتخابات الرئاسية الثانية منذ الثورة أهمية بالغة وخاصة بالنسبة لحركة النهضة وذلك من اوجه عديدة منها:
1. أن النهضة تشارك لأول مرة في انتخابات رئاسية بعد خمسين سنة من تأسيسها كما أنها تقدّم لأول مرة مرشحا لها هو الاستاذ عبد الفتاح مورو النائب الأول لرئيس الحركة ورئيس مجلس النواب بالنيابة وقد نال ثقة واسعة وقوية قريبة من الإجماع من اخوانه في مجلس الشورى.
2. أننا نقدّم للتونسيين عصارة تجربة الحركة في الحكم استفدنا فيها من أخطائنا وتعلّمنا فيها دروسا هامة تجعلنا اليوم أكثر جاهزية لخوض تجربة جديدة في الحكم نملك فيها مقومات أكثر للنجاح والقدرة على الانجاز.
3. أننا نقدّم للتونسيين برنامجا اقتصاديا واجتماعيا شاملا فيه الكثير من الحلول لمشاكلهم اليومية في العديد من القطاعات الحيوية مثل المقدرة الشرائية والصحة والنقل والتعليم، وفيه الكثير من المعالجات العميقة لاهم المسائل الاستراتيجية مثل البيئة والطاقة والفلاحة.
السيدات والسادة
بعد ثماني سنوات من الثورة، لا يزال التونسيون وخاصة في الجهات الداخلية والشباب ينتظرون إنجاز الاستحقاق التنموي والاجتماعي للثورة الذي ساهم تأخّره في تدهور أوضاعهم المعيشية وتعميق الفجوة الاجتماعية واتساعها رغم أن الثورة قامت أساسا بسببها ومن أجل تجاوزها،
لا تزال تونس تعيش على وقع فجوة اجتماعية واختلالات تنموية بين المدن الكبرى ومحيطها نشأت وتعمّقت تاريخيا قبل الثورة وتنامت بعدها بسبب خيارات وقرارات سياسية راعت الاعتبارات الاقتصادية دون النظر الجدي إلى الجوانب الاجتماعية والتنموية.
لم يعد بالإمكان معالجة هذه الفجوة المتنامية ووقف تداعياتها السلبية على الوطن والمواطن بالسياسات الكلاسيكية لأنها لن تؤدي إلا لإعادة انتاج نفس النظام الاجتماعي باختلالاته ومظالمه. إن معالجة هذه الفجوة هي مسألة سياسية بامتياز تقتضي تحقيق انعطافة اجتماعية عبر سياسات عمومية بديلة تدعم تكافؤ الفرص بين كل التونسيين تساعد على ادماج الجهات الداخلية في الدورة الاقتصادية وجعلها أكثر جاذبية وتحقيق التمكين الاقتصادي للفئات الأقل حظا وترشيد التحويلات الاجتماعية بتوجيهها حصريا نحو مستحقيها.
لهذا، اخترنا في حركة النهضة المضي في بناء خيارات جريئة تراكم على المكتسبات وتقطع نهائيا مع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية السابقة كل ذلك تحت سقف دستور الثورة وما أقره من مبدأ التمييز الإيجابي للجهات من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات وتحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي للشرائح الاجتماعية الضعيفة والمهمشة
كما اخترنا العمل على المدى القصير على تحسين شروط السلم الاجتماعية من خلال برامج وآليات تحافظ على مقومات العيش اليومي للمواطن عبر التحكّم في الأسعار وتحسّن الخدمات البلدية وخدمات المرفق العام وخاصة في قطاعات مهمة في يوميات حياة التونسيين وهي التعليم والصحة والنقل.
السيدات والسادة
النهضة اليوم أكثر شعورا بالمسؤولية وستواصل في المستقبل ترفقها بالتجربة التونسية ومراعاة صعوبات الانتقال، ولكنها ستذهب بعيدا في تحقيق تطلعات الشعب وخاصة في تحسين المقدرة الشرائية (قفة المواطن وقوته اليومي) ومحاربة الفساد وإرفاق الانتقال السياسي بانتقال اقتصادي واجتماعي يحقق الكرامة وينهي التهميش ويحسّن مستوى ونوعية عيش عموم التونسيين في كل ربوع تونس.
اختارت النهضة أن تتجه إلى المستقبل وأن تبقى قوة تغيير نحو الأفضل ممتلئة بثقتها في نفسها وفي التونسيين، أداتها في ذلك الانتقال من توافق سياسي عام إلى تعاقد وطني على أساس أولويات وبرامج من خلال شراكة سياسية تقوم على تعاقد برنامجي واضح يمثل الاجتماعي الاقتصادي محوره، وعلى أساس أجندة وطنية تخرج بنا من عمومية التوافق إلى وضوح الشراكة.
ستكون معالجة المسألة الاقتصادية والاجتماعية مسألة مركزية وعلى رأس أولويات برنامج النهضة الجديد للحكم بناء على أصالة دور الدولة في تدبير الصحة والتعليم وتحقيق الامن الغذائي للمواطن. سنعمل أن تتبنى منظومة الحكم المقبلة العمل بهذه الأولوية وأن توجّه السياسات العمومية مركزيا وجهويا لمعالجة مختلف الفجوات وأن تجعل من استدامة المرفق العام وتجويده في مجالات الصحة والتعليم والنقل والأمن رافعة أساسية للحفاظ على العلاقة الاجتماعية بين المواطنين والجهات.
سيكون من بين شروط تحقيق كل ذلك تعميق علاقاتنا الاقتصادية مع الأسواق الخارجية التقليدية ومع شريكنا الأوربي، إضافة إلى تنويع علاقاتنا الاقتصادية الخارجية مع الاقتصاديات الصاعدة والشركاء الجدد ومزيد الاندماج في السوق الإفريقية الواعدة بالإضافة الى الانفتاح على الأسواق الآسيوية والأمريكية لتسويق منتجاتنا ولاستقطاب المستثمرين منها. وسيكون على رأس أولوياتنا تطوير علاقاتنا التجارية والاقتصادية مع جوارنا المغاربي وبناء النواة الأولى لسوق مغاربية مشتركة.
السيدات والسادة
ستبقى النهضة حريصة على تعزيز المشترك الثقافي ودعم التضامن الاجتماعي والوحدة الوطنية واعتبار القضايا المجتمعية مكونا طبيعيا من مكونات أجندة الانتقال العام في البلاد ندعو الجميع إلى معالجتها معالجة هادئة ومتوازنة في إطار الجهد الإصلاحي العام في البلاد بما يحفظ تنوع التونسيين ووحدتهم في ظل مقصد عام هو اعتبار أهمية انسجام التونسيين على اختلاف توجهاتهم شرطا ضروريا لتحقيق التضامن بين أجيالهم وجهاتهم وميسوريهم وفقرائهم. سنعمل على أن يكون التضامن أولى الأولويات لدى السياسي وأن تكون الخيارات الاقتصادية خادمة لإعادة الانسجام بين مختلف مكونات النسيج المجتمعي والجغرافي للبلاد.
ستواصل حركة النهضة من خلال وجودها في الحكم ومن خلال كتلتها النيابية إدارة الملف المجتمعي عبر سياسات عمومية تعتمد التوافقات الضرورية للمصادقة على القوانين ذات العلاقة بالمسائل المجتمعية على غرار ما قامت به في قانون مناهضة العنف ضد المرأة وقانون الجماعات المحلية وقانون الأمان الاجتماعي وقانون محكمة المحاسبات والاثراء غير المشروع إضافة إلى إطلاق عددا من المبادرات التشريعية مثل قانون نقل العاملات الريفيات.
سيكون الاهتمام بالمرأة من بين أولويات حركة النهضة حيث تتقاطع قيمنا مع قيم احترام المرأة وحقوقها مثل التغطية الاجتماعية والعنف الأسري والتحرش والنفقة والمساواة في الأجور وهي حقوق في أغلبها محفوظة قانونا ومهدورة واقعا والنهضة مؤهلة لإدارة استراتيجية دفاعية وتنموية لرعاية حقوق المرأة وتعزيزها تتقاطع فيها القيم الأخلاقية مع العدالة الاجتماعية.
لقد ساهمنا من مختلف مواقعنا في الحكم في قيادة عدد من الاصلاحات والمشاريع الهامة مثل قانون تحسين مناخ الاستثمار وقانون المؤسسات الناشئة (Start Up) وتطوير الخدمات الرقمية وضبط أولويات البحث العلمي ودعم ملائمته لمتطلبات التنمية، وتنويع برامج التشغيل ودعم المبادرة الخاصة والانطلاق في انجاز عدد من المشاريع في الجهات واستكمال البعض الاخر،
السيدات والسادة
تتوفر بلادنا اليوم على أهم مفاتيح التقدم وهما الحرية والديمقراطية، ومطلوب منا تعزيزهما بإصلاحات ادارية وتشريعية تطلق طاقات العملاق التونسي المكبلةً وتحرره من العوائق، إننا في تمام القناعة أنه خلال عشرية واحدة ستتبدل صورة تونس الاقتصادية من متسوّل على أبواب المصارف الدولية إلى نموذج تنموي، مثلما تغيرت صورتها السياسية من دولة بوليسية الى نظام ديمقراطي يصطف مع طلائع الأنظمة الديمقراطية.
كما تتوفر بلادنا في إطار محيطها الإقليمي على مقومات النمو والازدهار إذا نحن فعلناها بنجاعة بدء بإعادة الاعتبار إلى قيمة العمل والعامل ووفرنا مناخا اجتماعيا مشجعا للإبداع والتفوق وإنتاج القيمة المضافة.
الديمقراطية التونسية ليست صورية ولا هي موضة بل مؤصلة ومؤسسة على نهج اجتهادي إسلامي أصيل أكد وسطية الإسلام ورفضه للإرهاب كما أكد مبدأ المساواة في المواطنة أساسا لتوزيع الحقوق والواجبات ودافع عن المصالحة الوطنية الشاملة ورفض كل مشاريع الإقصاء والانتقام ودافع عن عدالة انتقالية تنظف ملفات الماضي، تكتفي من المذنبين بالاعتذار وتطلب من الضحايا الصفح ومن الدولة اعادة الاعتبار وجبر الممكن من الاضرار.
نحن الحزب الأول الذي أسهم في تنضيج ظروف الثورة والتأسيس للديمقراطية وتثبيت الاستقرار والتأسيس للتوافق وللوحدة الوطنية وخدمة صورة لتونس: نجاح استثنائي لتحول ديمقراطي ونسج صورة لإسلام معتدل ديمقراطي.
السيدات والسادة
اليوم وبعد ثماني سنوات من الثورة ومن المشاركة في الحكم والحكومة بما فيها من نجاحات وإخفاقات، يمكننا أن نقول أن تجربة النهضة هي قصة ثبات ونجاح في عالم متقلب محفوف بالمكاره والصعوبات، قصة ساهمت في صنع نجاح التجربة التونسية وهي اليوم مؤهلة للمساهمة من موقع متقدم في استكمال صنع الربيع التونسي كاملا غير منقوص يعيش فيه التونسي مواطنا حرا كريما وآمنا في دولة ديمقراطية ومجتمع متنوع.
النهضة اليوم أكثر واقعية، ولا يضرّها أن تقيّم أداءها وأن تعرض حصائل أعمالها على التونسيين خاصة وأن الجميع يدرك مصاعب المرحلة الانتقالية وثقل أعبائها ومخاطرها. لقد بذلت النهضة وسعها وقدّمت مصلحة تونس على مصالحها، وراهنت على التوافق والترفّق بالتجربة والمسار مع إصرار قوي على تحقيق الأهداف لبناء تونس أفضل. النهضة اليوم أكثر تعلّقا بالمستقبل وأقوى عزما على رفع تحدياته ومراكمة الإنجازات وأكثر استعدادا لتوفير شروط نهضة تونس في أفق 2035. تونس المستقبل تحتاج حزبا بمواصفات النهضة قويا، متماسكا ومنفتحا على كل القوى الحية والكفاءات الوطنية، يتطلع إلى كسب ثقة الناخبين للمساهمة في تحقيق النقلة النوعية المنشودة.
مرة أخرى تحرص النهضة في هذا الاستحقاق الانتخابي أن تقدّم لتونس أفضل ما لديها من كفاءات متنوعة في اختصاصاتها وتجاربها وخلفياتها، واحدة في عمق ولائها لتونس وفي حرصها على خدمتها والمساهمة في تحقيق حلم التونسيين في جمهورية ثانية قوية وعادلة، آمنة ومستقرة، نامية ومزدهرة.
كما اختارت النهضة أن تقدّم للتونسيين أول مرشّح رئاسي لها، الأستاذ عبد الفتاح مرور وهو من هو، مؤسس ومناضل وفاعل سياسي وثقافي بمواصفات قيمية وأخلاقية عالية، تعبيرا عن جديتها في المنافسة في هذا الاستحقاق الرئاسي الهام من أهمية منصب رئيس الدولة في منظومة الحكم وما خوّله له دستور الثورة من صلاحيات ومسؤوليات قانونية وأخلاقية في تعزيز وحدة التونسيين واحترام الدستور وحماية السيادة الوطنية.
وسيكون فوز مرشحنا بمنصب رئيس الجمهورية ضمانة أخرى تقدمها النهضة لتعزيز الاستقرار وانسجام منظومة الحكم بأضلعها الثلاث بما يساهم في توفير المناخات المناسبة لكي تتقدم الحكومة في إنجاز برامجها وتحقيق أهدافها.
شكرا لكم جميعا على الحضور والمشاركة، وشكرا لكامل فريق العمل الذي سهر على تنظيم هذه الندوة ونجاحها، ونلتقي في مواعيد أخرى إن شاء الله.
عاشت تونس حرة كريمة ونامية وآمنة، المجد والخلود للشهداء،