الحركة الإسلامية ومسألة التغيير

10:09:58 2014/09/23

يعكف الشيخ راشد الغنوشي منذ مايزيد على ثلاثة عقود على دراسة جدلية الفكر والواقع السياسي المعاصر في الساحة الفكرية، العربية منها والإسلامية والعالمية، وبعد كل تأمل فكري معمق، يخرج للساحة بعصارة تأملاته وقد صدر له عديد من الكتب والدراسات سواء المتعلقة منها بالمرأة و"الحريات في الدولة الإسلامية" أو العلاقة مع الغرب، أو الحداثة والتحديث أو السياسة الشرعية، أو ما سماها بالفعالية القرآنية، وغيرها من المواضيع،

 ومنذ سنوات بدأ بإصدار سلسلة مقاربات في الفكر السياسي المعاصر صدر منها جزءان الأول "مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني" والجزء الثاني "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير".

وقد سبق للمجتمع أن قامت بعرض الجزء الأول وها هي تعرض الجزء الثاني وهو كتاب "الحركة الإسلامية ومسألة التغيير". يقع الكتاب في 141 صفحة من القطع المتوسط وصادر عن "المركز المغاربي للبحوث والترجمة" وهو مطبوع في بيروت عن طريق المؤسسة الإسلامية للطباعة والصحافة والنشر.

مسيرة الصحوة الإسلامية

يرى الغنوشي أن القرن الميلادي الجديد يحمل بشائر عظيمة لدعوة الإسلام حيث يقول: "آمل أن لا ينتهي القرن إلا وقد أرسى الإسلام نواة صلبة لعالم إسلامي جديد" ويستدرك قائلاً: "وهذا لايعني بحال أن تيار الصحوة الإسلامية بلا عيوب ولا مشاكل ولا عقبات فالصحوة لم تحرِّر من أمة الإسلام إلا القليل من الطاقات"، ثم تحدث عن العقبات التي تواجهها الحركة الإسلامية معتبرا "الجهل بالإسلام أعظمها" وتحدث عن مظاهر ذلك الجهل بالإسلام وهو "ربطه بالتعصب والتطرف والرجعية والإرهاب والعدوان على حريات الأفراد والشعوب"، أما التحدي الثاني الذي

يواجه الصحوة الإسلامية فهو الاستبداد السياسي الذي يرزح تحته العالم الإسلامي. وقد دعا المؤلف مفكري الإسلام وعلماءه إلى "تأصيل مباديء الحرية والشورى والديمقراطية بكل أبعادها في أرض الإسلام". كما دعا إلى "التعاون مع كل القوى المناهضة". للاستبداد والمدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية من كل ملة داخل العالم الإسلامي وخارجه، فالاستبداد شر كله وليس هناك نعمة بعد الهداية أفضل من الحرية". التحدي الثالث للصحوة الإسلامية هو "إقامة نماذج إسلامية للحكم، ونماذج إسلامية اجتماعية ثقافية تبشر بعدالة الإسلام".

أما التحدي الرابع فيتمثل في العداء الغربي للإسلام وأمته، ولئن ذكر أن عدداً من الغربيين انجذب نحو الإسلام فإنه يؤكد أن الغالبية لاتزال تجهله وبالتالي تناصبه العداء، وعرج على دور الحركة الصهيونية التي انبثت بسمومها وتغلغلت منذ أكثر من قرنين في أعماق النسيج الغربي في آدابه وكنائسه، فضلاً عن إخطبوطها الإعلامي والاقتصادي وتغلغلها في مراكز القرار السياسي والإداري وحتى العسكري. ويدعو الغنوشي إلى العمل على إيجاد استراتيجية تهدف إلى فك الارتباط بين الإخطبوط الصهيوني والحضارة الغربية.

الحركة الإسلامية.. الواقع والآفاق

تحت هذا العنوان يتحدث عن سمات النشاط الإسلامي الذي قال عنه: إنه ذو طابع إصلاحي متمثلاً في "الأمر بالمعروب والنهي عن المنكر سبيل العلماء لتقويم الخلل في الدولة الإسلامية" وبما أنه يضع الواقع الراهن في معظم أنحاء العالم الإسلامي على المشرحة فإنه يخلص إلى أن الدولة ابتعدت قليلاً أو كثيراً عن الإسلام وأصبحت علمانية قهرية تمثل إرادة خارجية ومنذ ذلك (التحول) اتخذ الإصلاح شكلاً جديداً. ثم يتطرق الغنوشي إلى أهداف الحركة الإسلامية من كدحها الدؤوب قائلاً: "هدف الحركة الإسلامية استعادة الشرعية الإسلامية المفقودة فكانت انطلاقة حركة الإخوان المسلمين بقيادة الشهيد حسن البنا بعد ثلاث سنوات من سقوط الخلافة وذلك أسلوب جديد يختلف عن طرق الإصلاح القديمة" حيث بدأت الدعوات لأسلمة "الثقافة والفكر والاقتصاد والفن والتربية والقضاء والسياسة بعد انتشار الوعي بأن الإسلام لم يعد دستور الدولة".

وفي معرض سرده للتجربة الإسلامية الحديثة في مجال الاقتصاد والبنوك أكد الغنوشي أن تجربة البنوك الإسلامية وغيرها من المشاريع الاقتصادية والتنموية الإسلامية "طريقة للتحرر الاقتصادي" ودعا الشباب الإسلامي للتوجه للميدان الاستثماري والتجاري وتأسيس الشركات والتعاونيات باعتبار ذلك من ميادين الجهاد الإسلامي المعاصر. واستعرض الغنوشي إنجازات الحركة الإسلامية في المجال الثقافي رغم وسائلها المحدودة فقد كان إنجازها معتبراً "لقد استطاعت أن تهمش العلمانية على امتداد العالم الإسلامي رغم أن العلمانية في الحكم والإسلام في المعارضة"، مستشهداً بنتائج الانتخابات النزيهة وموقف الحكم من المشاركة الإسلامية، والنشاط الثقافي الإسلامي، "لا يوجد اليوم منافس للكتاب الإسلامي ولا للأحزاب الإسلامية ولا للمجلات الإسلامية ولا للمشاريع والبنوك الإسلامية، وغدت معظم اتحادات الطلاب بأيدي الإسلاميين.. حتى لم يبق للعلمانية من مصدر للشرعية غير العنف والقهر والدعم الخارجي" مقابل ذلك بين فشل العلمانية في تحقيق وعودها كالازدهار الاقتصادي وتحرير فلسطين وتوحيد الأمة، وبشر في كتابه المفعم بالأمل بعودة الإسلام للحكم متحدثاً عن عوامل ذلك ومنها:

1- قوة الإسلام الذاتية. 
2- حالة هرم المشروع المقابل: العلمانية. 
3- فساد الأنظمة الحاكمة. 
4- عمق الإسلام في نفوس الشعوب المسلمة رغم حالة الكمون العابر التي فرضها القهر. 
5- الثروات الطائلة في العالم الإسلامي. 
6- تقدم وسائل الاتصال. 
7- انتشار الإسلام في الغرب. 


حيرة الحركة الإسلامية بين الدولة والمجتمع

تحت هذا العنوان يستعرض الغنوشي علاقة الإسلام بالدولة، حتى إنه لايمكن تصور وجود إسلام كامل بدون دولة، فالرسول ص لم يفرق بين الإصلاح الاجتماعي والقيادة السياسية والتي أفضت إلى قيام دولة مترامية الأطراف، ثم يرسم الغنوشي صورة تاريخية لردة السياسة عن الدين أو ما أسماه بالانقلاب الذي "كان الخطوة الكبرى على طريق انفصال السياسة عن الدين" وينتقل للعصر الحديث حيث وبعد "فتن قاسية أوشكت أن تطيح بالكيان الإسلامي جملة اضطر العلماء للتنازل عن السلطة لصالح أصحاب الشوكة والقوة وبذلك كانت المعادلة أو الصفقة التاريخية: السياسة للحكام ولهم الطاعة ما خضعوا لأحكام الشريعة، وللعلماء ضبط أحكام الشريعة والقضاء والتعليم والإشراف على الأوقاف" غير أن تشريح الغنوشي للتاريخ السياسي لأمتنا يكشف عن عمق الزيغ الذي حصل بعد ذلك سيما بعد وقوع الأمة فريسة للاستعمار حيث قامت حكومات اتخذت من الدين وعلمائه مجرد أدوات تستخدم عند الحاجة ملحقة بالأجهزة الأمنية للدولة، "وبناء على هذا انقسم المعنيون بأمر الدين كما يقول الغنوشي إلى جهتين إحداهما آثرت السلامة الشخصية وانخرطت في الواقع بمساوئه وأخرى اتجهت للمعارضة لتنتهي إلى جماعة سياسية معارضة".

ويرد على من يظنون أن قيام أحزاب إسلامية يقسم الأمة قائلاً: لقد كان مثل هذا الكلام ذا معنى لما كانت الأنظمة القائمة مستندة للشريعة وكان العلماء قائمين على تفسير نصوصها والقضاء بأحكامها مطلقة أيديهم في الإصلاح الاجتماعي، أما وقد انهار ذلك البناء جملة فالقياس عليه مع وجود الفارق مُوقع في الوهم والزلل وتضليل الأمة عن مواجهة أعظم أسباب البلاء في حياتها وأشد العقبات في طريق نهضتها.

قصور الحركة الإسلامية

وحتى لاتعد دراسة الحركة الإسلامية في بيئتها ونشأتها والعوامل المحيطة بها وإنجازاتها من قبيل مدح الذات والنرجسية المفرطة تطرق الغنوشي إلى مظاهر القصور في الحركة الإسلامية حيث يرى أن الإسلاميين ظلوا بعيدين عن التأثير على القوى العاملة. ويرجع سبب ذلك إلى عدم وعي الإسلاميين بمشكلات القوى العاملة ذات الطبيعة الاجتماعية والسياسية في حين نظروا إليه من النواحي العقائدية والأخلاقية فقط، المثال الثاني الذي يضربه الغنوشي لقصور الحركة الإسلامية تعاملها مع القطاع النسائي.

ويرى أن "الطرح الاجتماعي الفلسفي لقضية المرأة ينتهي إلى أن قضية المرأة ليست مجرد قضية تبرج وعري واختلاط فحسب بل إنها قضية اغتراب وظلم وإستبداد، إنها قضية إنسان سلبه الانحطاط إنسانيته وفي الضفة الأخرى (الغرب) تم استبدال مواقع الاستبداد وأخذت المؤسسة مكان الرجل.

الحركة الإسلامية والعلاقة مع الحاكم

يتحدث هنا عن العلاقة بين الحركة الإسلامية وأنظمة الحكم المختلفة "فالعلاقة تتراوح بين الاعتراف المتبادل والصريح والضمني" ويعود إلى علاقة الحركة الإسلامية مع الأنظمة الانقلابية فيقول: "إن المشكل لايتمثل في رفض الحركة الإسلامية الاعتراف والتعايش مع الدولة أو القبول بالمشاركة الجزئية فيها وإنما المشكل يتمثل في من يقنع هذا الغول المدعوم بأحدث تقنيات القمع والإخضاع، والمؤيد من قبل قوى الهيمنة المعادية لأمتنا وحضارتنا وكل الحضارات الأخرى، من يقنع هذا التنين بالتواضع والاعتراف بالشعب والآخر، من يروض هذا الوحش دون كفاح ناصب"؟!.

اختلاف الحركات الإسلامية

وبعد أن يذكّر الغنوشي بأن الاختلاف من طبيعة الفطرة التي فُطر الناس عليها سائقاً الأدلة من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يخلص للقول بأن "أمتنا لم تفشل في شيء كما فشلت في إدارة الاختلاف وإفراغ المبدأ الإسلامي العظيم "الشورى" من مضامينه". ويرجع الغنوشي ذلك إلى ما أسماها بالثقافات القطرية حيث "نشأت الحركة الإسلامية في إطار الكيانات الشاذة الخانقة" والتي أطلق عليها صفة "الأصنام البالية" وأعرب في كتابه عن خشيته من تهديد الثقافة القطرية للمشروع الإسلامي.

الحركة الإسلامية واستخدام القوة

أسهب المؤلف في تحليل جدوى استخدام القوة من عدمه، مستبعداً تحقيق النتائج التي يهدف إليها من يراهن على ذلك قائلاً: "إذا كانت الأمور بمآلاتها وكانت مقاصد الشريعة قد وجهت المسلم أن يهتدي بقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد لاسيما عند سكوت نصوص الشريعة أو عدم قطعيتها فما ترجحت مصلحته كان خيراً وما ترجحت مفسدته كان شراً" ثم تحدث عن الكوارث التي حاقت بالحركة الإسلامية نتيجة التسرع في اتخاذ قرار استخدام القوة.

وأشار إلى أن الانتفاضات الشعبية التي شهدتها فرنسا أو الصين أو إيران أو ما حدث من انتفاضات في أوروبا الشرقية كُتب لها النجاح بعد أن توفر لها زخم جماهيري، أما انتفاضات الحركات السياسية والأحزاب فإنها غالباً ما تؤدي إلى كوارث. إن هذا النوع هو الأجدر بالدراسة بسبب أنه أكثر ما عمّت به البلوى. ويشيد الغنوشي بتيار الوسطية الإسلامية الذي يرفض الانسياق وراء العواطف والاندفاعات ويعتصم برد أحد بني آدم لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28)(المائدة) فالوسطية الإسلامية كما يحددها الغنوشي تصر على الالتزام الكامل بأساليب الجهاد السلمي؛ أى بجهاد الكلمة الذي حرضت عليه الآية الكريمة وجاهدهم به جهادا كبيرا 52 (الفرقان).

مقومات الحركة الإسلامية

يحدد الكاتب خمسة مقومات للحركة الإسلامية:

1- الشمول: "فالإسلام كلٌّ مترابط: العقيدة والشريعة والعبادة وبالتالي لا مجال للتفريق بين الدين والسياسة والدين والدولة". 
2- القضية الوطنية: حيث "لاتناقض بين العالمية والوطنية إذ الوطنية منطلق العالمية فعناية المسلم بإصلاح وطنه واجب ديني". 
3- السلفية: ويعني بها استمداد الإسلام من أصوله دون تعصب فالأصل هو ما ورد في الكتاب والسنة وعصر الخلفاء. 
4- البعد الإيماني: ومنه ضرورة الأخذ بالأسباب مع الاعتقاد بأن هذه الأسباب لاتؤدي إلى نتائجها إلا بإذن الله. 
5- الشعبية: فالحركة الإسلامية ليست حركة فئوية معينة ولاطريقة صوفية تحصر أعمالها في مجموعة المريدين، إنها ضمير الأمة المتحرك وأعماقها الثائرة.


استراتيجية الحركة الإسلامية

يحدد الغنوشي ثمانية مباديء أساسية يتوجب على الحركة الإسلامية تحديد موقفها بوضوح منها وهي: 1- تحديد موقفنا من التراث.. ما هو ملزم منه وما هو غير ملزم. 

2- تحديد موقفنا من الغرب ماذا نأخذ وماذا نترك؟ 
3- تحديد نظرتنا للواقع.. علاقتنا مع تشكيلاته 
4- ما أدوات التغيير التي نستخدمها..؟ وهل نعتبر الشعب فيصلاً في اختيار الحاكم ونعيد له حقه كخليفة لله في الأرض؟. 
5- الدعوة للإسلام من خلال حاجات الناس وهمومهم. 
6- التربية المتكاملة على المستوى الفكري بتنمية الروح النقدية وتوخي الموضوعية. 
7- العالمية في الحركة الإسلامية تحقيقاً لمبدأ التوحيد وهو أساس العقائد الإسلامية فضلاً عن أن العالمية هي روح العصر. 
8- الاعتماد على التخطيط والكم مبدأ أساسي في التخطيط، وكثيراً ما تهمل طريقة القياس الكمي وتلغى برفع شعار "المهم الكيف لا الكم"، والقرآن أشار إلى ذلك في قوله تعالى: وكل شيء عنده بمقدار (8)(الرعد). 


ويختم الغنوشي بحثه بالقول: "إن التحدي الحقيقي هو كيف يرى الناس الإسلام مجسداً في نظريات وتطبيقات، في الاقتصاد والسياسة والفن، ويعبر حمَلَة الإسلام عن مشروعهم لا بالدفاع والردود على الأطروحات السائدة فقط وإنما بتقديم البدائل"

صفحة الفايسبوك
قالوا عن الشيخ
الغنوشي قضى عقودا طويلة دفاعا عن الحقوق والحريات في تونس ولكل الشعوب في العالم.. أنا ممتنة جدا للتضحيات العظيمة التي قدمها
الحقوقية سارة ليا ويتسون
الغنوشي قضى سنوات وهو يصارع لإرساء الديمقراطية في تونس.. إنه لأمر مؤسف أن يقضي عيد مولده خلف القضبان
اللورد دانيال هانان
أعلم أنك رجل صبور للغاية، وجودك في السجن هو أمر مؤسف للتونسيين ولكل من يهتمون بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم
الكاتب والجامعي نوح فيلدمان
حياة الشيخ راشد الغنوشي كانت حياة عطاء بلا حساب.. لن ينال السجن من إشعاعك وتأثيرك.. كل عام وأنت وأهلك بكل خير
أحمد نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص
حساب تويتر