كلمة رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي في الجلسة الاحتفالية بالذكرى الثامنة لختم الدستور

11:01:54 2022/01/27

بسم الله الرحمان الرحيم

السيدات والسادة النواب المحترمين

السادة الإعلاميين المتابعين لهذه الجلسة

أيّها الشعب التونسي العظيم

إنّها لحظة فارقة في تاريخ بلادنا نعيشها وفق ما يقتضيه الأمر من تحمل للمسؤولية تجاه بلادنا وأبناء شعبنا

في مثل هذا اليوم من سنة 2014 تم ختم دستور الجمهورية التونسية الذى جاء نتيجة توافق وطني واسع، وإثر تضحيات متراكمة ومتواصلة بين الأجيال، عبّدتها دماء الشهداء من كل الأعمار والجهات والاتجاهات. ومنذ تلك اللحظة اعتبرنا دستور الثورة خيمة تؤوي كل التونسيين، وأصبح من الواجب الجماعي تجميع قوانا للاتجاه إلى المستقبل ونحن نقف على أرضية صلبة موحدة ومشتركة.

السيدات والسادة:

لقد تم يوم 25جويلية من السنة المنقضية الانقلاب على هذا المكسب الوطني الكبير وتم تمزيق وحدة التونسيين التى تجلت في دستورهم، و استمر الخروج عن الدستور في كل الممارسات والأوامر التي صدرت عن رئيس الجمهورية. لقد تم تعطيل المؤسسات وإغلاق الهيئات الوطنية من أجل تجميع السلطات في يد شخص واحد، وهي لعمري المفسدة المطلقة.

فما الذي تحقق بعد ستة أشهر من الانقلاب على الدستور؟

أزمة مركّبة مالية خانقة بدأت تفرض نفسها في أشكال كثيرة مثل التهاب الأسعار أو غياب مواد أساسية، أو تأخر الدولة في أداء مرتبات الموظفين والمتقاعدين أو تخفيضها فضلا عن العزلة الدولية الخانقة التي تعيشها البلاد، بما صنع وضعا اجتماعيا يتهيأ للانفجار، وانقساما يتسع بين أبناء الشعب، تُذكيه أعلى سلطة في البلاد، وحالة من الغموض وعدم اليقين.

مقابل كل ذلك أثبت التونسيون، وقد استفاقوا من صدمة 25-7، تمسكهم بالدستور وبالديموقراطية، وهم مستعدون للتضحية من أجل ترسيخ هذا المطلب والعودة إلى أرضية الشرعية الدستورية والعيش المشترك، في وطن موحد، يؤمن بالاختلاف، ويضع الأسس القانونية لحسن إدارته.

السيدات والسادة:

لقد تمت شيطنة مؤسسة البرلمان بتدبير مسبق من أجل الاستعداد للإجهاز عليه لما يمثله من رمزية ومن توازن بين السلط. وكانت سياسة التشفي دليلا آخر على النية المبيتة. فالخلافات والاختلافات أمر واقع داخل كل البرلمانات. ولو تم تعليق أعمال البرلمانات التي تشقها الخلافات، لمَا بقي من برلمان ديموقراطي واحد في العالم.

فاحترام الاختلاف وترسيخه هو جوهر العملية الديموقراطية، وتمثل مؤسسة البرلمان أهم المؤسسات الكفيلة بإدارة هذا الاختلاف، لأنّها تعبّر عن الإرادة العامة للشعب، فتعكس ما فيه من تعدد وتنوع واختلاف. وكل الذين يضجرون من المختلف هم ضحايا كيان مستبد يعيش في أعماقهم . وضمن شيطنة مجلس النواب تأتي سياسة إسدال ستار التعتيم على منجزاته وبخاصة على صعيد ترسيخ الحريات والحقوق الاجتماعية.

السيدات والسادة:

إن بلادنا تواجه تحديات جساما، ومسؤوليتنا جميعا مواجهة هذه التحديات، والتي لا مخرج منها إلا بلُحمة جماعية وتصميمٍ على مواصلة السير في الطريق الديموقراطي، باستكمال مؤسساته الدستورية واحترام استقلال القضاء على قاعدة فصل السلطات.

 نحتاج كلنا إلى نقد ذاتيّ بناء ومتواصل، وإلى مراجعات كبرى من أجل وطن آمن مستقر ديموقراطي وعادل، التونسيون جديرون به، لأنهم أثبتوا في كل المناسبات أنهم أهل لرفع التحديات.

إنّ الذين أدمنوا بث ثقافة الكراهية والتحريض والتقسيم والعداوة والبغضاء وشيطنة المخالف بدل ثقافة المواطنة وحب العمل وأداء الواجب، هم يقفون ضد إرادة الشعب وتوجهه نحو الحرية والمساواة، بل هم خطرٌ عليه جاثمٌ.

المؤكد أن ديمقراطيتنا الناشئة تمرّ بمطبات وصعوبات كبيرة. ولكن إصلاحها لا يكون بالانقلاب عليها والذهاب نحو المجهول، بل يكون بإصلاحها من داخلها، إذ الديمقراطية تتفوق على جميع الأنظمة بقدراتها الذاتية على التجدد والإصلاح، وهو ما يعنى أن الإصلاح الديموقراطي جوهره ضخ مزيد من الديموقراطية وثقافة المواطنة وليس الخروج عنها بالدعوة إلى فاشيات جاثمة أو شعبويات تائهة أو ترتيب استشارات شكلية لتسويغ وتمرير خيارات أحادية ارتكاسا بالبلاد إلى أسوأ صور الاستبداد، وذلك بديلا عن المطلوب: حوار وطني شامل حول الخيارات الكبرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حوار وطني بين مختلف النخب، لا يقصي طرفا، على غرار حوار 2013. حوارا وطنيا يسبقه إلغاء الأمر 117 عودا إلى الشرعية الدستورية، وإطلاق سراح المساجين وعلى رأسهم النائب نور الدين البحيري، ويمكن لهذا المجلس الموقر أن يسهم فيه، وذلك على طريق تنظيم انتخابات عامة نيابية ورئاسية. إن كل الطرق الدستورية السوية للخروج من الأزمة تمر بهذه المؤسسة الموقرة، ولا مناص.

وفي الختام نتوجه باسمي عبارات الشكر والعرفان لأبناء شعبنا الذين أنجزوا ثورة من أهمّ الثورات في التاريخ، ونحن على يقين بأنهم مستعدون إلى مزيد التضحيات، لأنهم مسكونون بإرادة الحياة. والشعوب متى تمسكت بالحرية وإرادة الحياة لن تعوقها نزعات الاستبداد والفاشيات.

ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نترحم على كل شهداء الثورة من كل الاتجاهات وآخرهم الشهيد رضا بوزيان.

صفحة الفايسبوك
قالوا عن الشيخ
الغنوشي قضى عقودا طويلة دفاعا عن الحقوق والحريات في تونس ولكل الشعوب في العالم.. أنا ممتنة جدا للتضحيات العظيمة التي قدمها
الحقوقية سارة ليا ويتسون
الغنوشي قضى سنوات وهو يصارع لإرساء الديمقراطية في تونس.. إنه لأمر مؤسف أن يقضي عيد مولده خلف القضبان
اللورد دانيال هانان
أعلم أنك رجل صبور للغاية، وجودك في السجن هو أمر مؤسف للتونسيين ولكل من يهتمون بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم
الكاتب والجامعي نوح فيلدمان
حياة الشيخ راشد الغنوشي كانت حياة عطاء بلا حساب.. لن ينال السجن من إشعاعك وتأثيرك.. كل عام وأنت وأهلك بكل خير
أحمد نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص
حساب تويتر