خطاب الشيخ راشد الغنوشي بتشاتام هاوس

11:04:42 2017/04/28

السيدات والسادة شكرا لكم الدكتور نيبليت، وشكرا لكم "شاتام هاوس" ومؤسسة "أفساري" لإتاحة هذه الفرصة لكي أكون بينكم اليوم. قبل أربع سنوات تقريبا، كنت هنا في "شاتام هاوس" لاستلام جائزة مع الرئيس المرزوقي للتواقيات التي تحققت أثناء الانتقال الديمقراطي في تونس.

أربع سنوات في السياسة هي فترة طويلة، وخصوصا عندما نمر بفترة انتقالية، لذلك أنا سعيد أن أكون معكم هنا مرة أخرى لأعرض عليكم اخر مستجدّات مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس. قبل أربع سنوات، في عام 2013، بعد الانقلاب الذي حدث في مصر وبعد الاغتيالات السياسية في تونس، يمكن القول إن عملية التحول الديمقراطي، انهارت تقريبا.

وتعالت العديد من الأصوات التي تسعى لإيقاف العملية الديمقراطية، ووقف صياغة الدستور.

لقد واجهت تونس العديد من المخاطر، ولكن أهم عامل بالنسبة لي كان آمال وأحلام الأجيال في تونس وبالفعل في جميع أنحاء المنطقة، أن بلداننا يمكن أن تحقق الديمقراطية، أن تكون مسلم وعربي وديمقراطي، هذا أمر ممكن والأهم بالنسبة لنا هو المحافظة على الوحدة الوطنية، وإنقاذ عملية التحول الديمقراطي. وفي تلك اللحظة الحرجة، اتخذنا قرارا صعبا للغاية ونادرا ما تقوم به الأحزاب السياسية – تخلينا عن السلطة، التي فزنا بها بعد إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وقبلنا الانضمام إلى الحوار الوطني.

وقررنا أيضا اختيار المصالحة وليس الانتقام من الأشخاص الذين كانوا جزءا من النظام القديم. كما صوتنا ضد قانون الإقصاء الذي كان سيستبعد كل من اشتغل مع النظام الديكتاتوري. لقد فعلنا ذلك لأننا رأينا ما حدث في العراق وفي ليبيا حيث أدى قانون الإقصاء إلى انهيار الدولة.

ونعتقد أيضا أننا بحاجة إلى المصالحة الوطنية لكي نتمكن من فتح صفحة جديدة في تاريخنا، حتى نتمكن من التركيز على الحاضر والمستقبل وليس فقط الوقوف على الماضي. قرّرنا جنبا إلى جنب مع الأطراف الأخرى في الحوار نقل قطار الديمقراطية إلى المسار الصحيح.وبالتالي استمرت كتابة الدستور.

لقد أردنا دستورا لجميع التونسيين وليس فقط للأغلبية،وهذا هو السبب في اعتمادنا التوافق والحوار كوسيلة لحل الخلافات.

وقد أدى ذلك إلى كتابة الدستور الذي صوّت عليه 94٪ من النواب. لدينا الآن دستور يضمن الديمقراطية وحقوق المواطن والمساواة بين الرجل والمرأة وحرية الضمير والمعتقد وحرية الصحافة.

ونتيجة لذلك، أجرت تونس انتخابات حرة ونزيهة ثانية في عام 2014 ونحن الآن نقوم ببناء مؤسسات جمهورية ديمقراطية. وعلى الرغم من أن حزب حركة النهضة الذي أتزعّمه احتلّ المرتبة الثانية في تلك الانتخابات، فقد احتفلنا بالانتخابات باعتبارها انتصارا لجميع التونسيين لأنه بالنسبة لنا، انتخابات حرة ونزيهة هي انتصار لجميع التونسيين.

وقد هنئنا الفائزين(حزب نداء تونس) بانتصارهم. واليوم، تعمل حركة النهضة بفخر في الحكومة الائتلافية التي تمثل فيها حوالي 80٪ من البرلمان.

لقد اتخذنا هذا الخيار لتجنب الاستقطاب، وتعزيز ديمقراطيتنا الانتقالية الفتية.

السيدات والسادة، كحزب، واصلنا تطورنا، وفي مؤتمر حزبنا الذي عقد في شهر ماي من العام الماضي، قررنا أن نتطور من حركة اجتماعية إلى حزب سياسي ديمقراطي مدني يفصل السياسة عن الأنشطة الدينية والاجتماعية.

ونحن نعتقد أن هذه خطوة هامة جدا في تاريخنا لأنها تضع الأساس لما نسميه الإسلام الديمقراطي.

كما أننا نعتقد أن الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكونا متوافقين، و كما أن هناك ديمقراطيين مسيحيين، وديمقراطيين يهود، وديمقراطيين هنود، فإنه يمكن أن يكون هناك أيضا ديمقراطيين إسلاميين.

في العالم الإسلامي لدينا معركة الأفكار والنماذج. والنموذج الذي نقدمه هو النموذج الذي يمكن أن نكون فيه إسلاميين وديمقراطيين، حيث يكون الإسلام متوافقا مع حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق المرأة. وهناك نموذج آخر يمثله ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، حيث يرتبط الإسلام بالإرهاب.

ونحن نعتقد أن تفسيرنا هو ما تحتاجه منطقتنا، وما يحتاجه العالم. وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزناه، فإننا نواجه العديد من التحديات. التحدي الأول هو الاقتصاد.

فالنمو الاقتصادي، هو العنصر الأساسي لبناء ديمقراطية سليمة. لقد كانت الثورة دعوة إلى الحرية، والتنمية والتشغيل. وينتظر الشباب الآن معرفة ما إذا كانت الديمقراطية يمكن أن تقدم أي ثمار.

إن حكومتنا تعمل بجد، لإصلاح وتحديث الاقتصاد، وخلق فرص لجميع التونسيين. وقد أدخلنا قانون استثمار جديد، يتضمن الإصلاحات المصرفية وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ونحن ندعو جميع أصدقاء تونس لتشجيع مستثمريهم على القدوم إلى تونس التي يمكن أن تكون بوابة إلى المغرب العربي وبقية أفريقيا.

والتحدي الثاني هو الأمن، وأعداءنا يعرفون أنه إذا هاجموا الاقتصاد، يمكنهم أن يقوضوا التقدم الديمقراطي ويطفئوا الشعلة الأخيرة للربيع العربي. وهذا هو السبب في أن الإرهابيين هاجموا قطاع السياحة في بلدنا. ومن المحزن أن العديد من ضحايا إحدى الهجمات كانوا من البريطانيين. ونحن نتقدم بتعازينا إلى أسرهم. وقد أظهرت لنا هذه الهجمات أوجه القصور الموجودة في نظامنا الأمني.

وبمساعدة من بريطانيا وأصدقاء آخرين، تعلمنا دروسا كثيرة من هذه الهجمات، ونحن نعمل جاهدين لتحسين خدماتنا الأمنية

. وبفضل هذا، لم يحدث أي هجوم إرهابي كبير في البلاد خلال العامين الماضيين. ولهذا السبب نود أن نطلب من وزارة الخارجية رفع التحذير من السفر إلى تونس حتى يتمكن السياح البريطانيين من استئناف الرحلات السياحية إليها كشكل من أشكال الدعم الذي تحتاج إليه البلاد لمواجهة التحدي الاقتصادي وخلق فرص العمل.

وعلى الرغم من التحديات، نحن متفائلون جدا. وقد أثبتت تونس بالفعل أنها تستطيع التغلب على أكبر الصعوبات سلميا. ولكننا بحاجة إلى دعم جميع أصدقائنا. والحدث الرئيسي التالي في المرحلة الانتقالية هي الانتخابات البلدية التي ستجرى في 17 ديسمبر المقبل. وستكون هذه الانتخابات جزءا من انتقالنا نحو اللامركزية من نظام مركزي جدا.

ونأمل أن يساعد ذلك المواطنين التونسيين على حل مشاكلهم محليا وعدم انتظار الحكومة المركزية. السيدات والسادة، إن تونس تقدم بديلا للسرديات و التجارب الأخرى في المنطقة. الأولى هي التي تدعو إلى التطرف والإرهاب، والأخرى التي تدّعي أن الإسلام والديمقراطية لا يتفقان. وهي السردية التي تدعو إلى صدام الحضارات.

والثانية هي السردية التي تدّعي أن الاستقرار لا يزال ممكنا تحقيقه من خلال الدكتاتورية والقمع. وتونس تقدم بديلا في هذا الشأن. شكرا جزيلا.

صفحة الفايسبوك
قالوا عن الشيخ
الغنوشي قضى عقودا طويلة دفاعا عن الحقوق والحريات في تونس ولكل الشعوب في العالم.. أنا ممتنة جدا للتضحيات العظيمة التي قدمها
الحقوقية سارة ليا ويتسون
الغنوشي قضى سنوات وهو يصارع لإرساء الديمقراطية في تونس.. إنه لأمر مؤسف أن يقضي عيد مولده خلف القضبان
اللورد دانيال هانان
أعلم أنك رجل صبور للغاية، وجودك في السجن هو أمر مؤسف للتونسيين ولكل من يهتمون بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم
الكاتب والجامعي نوح فيلدمان
حياة الشيخ راشد الغنوشي كانت حياة عطاء بلا حساب.. لن ينال السجن من إشعاعك وتأثيرك.. كل عام وأنت وأهلك بكل خير
أحمد نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص
حساب تويتر